فإن أضيف إلى ما لا يصلح علة ، نحو : لم فعلت ؟ فيقول : لأني أردت ، فهو مجاز ، أما نحو : " إنها رجس " " إنها ليست بنجس " فصريح أيضا عند أبي الخطاب ، وإن لحقته الفاء نحو : فإنه يبعث ملبيا فهو آكد ، وإيماء عند غيره " .
قوله : " وترجع أدلة الشرع " إلى آخره . لما فرغ من بيان أصناف القياس من حيث القطع والظن ، وكان ذلك فيما يتوقف على معرفة العلة في قوتها وضعفها ، والقوة والضعف فيها مستفاد من دليل ثبوتها الشرعي ، [ ص: 357 ] احتجنا إلى بيان أدلة الشرع التي تثبت بها العلة الشرعية .
وأدلة الشرع ترجع ، أي : تنحصر في النص والإجماع والاستنباط ، لأن النص يعم الكتاب والسنة ، والاستنباط هو أعم من الاستدلال ، فانحصرت أدلة الشرع المعتبرة في ذلك ، والعلة القياسية يصح إثباتها بكل واحد من هذه الأدلة ، وليس المراد أن كل فرد من أفراد العلة يجوز إثباته بكل فرد من أفراد هذه الأدلة ، بل المراد إثبات كل فرد من أفراد العلة بأدلة الشرع المذكورة على البدل ، أي : إذا لم يوجد في النص ما يثبتها ، ففي الإجماع ، فإن لم يوجد ففي الاستنباط ، فمجموع الأدلة في الإثبات مقابل لمجموع العلل ، وقد بان المراد من ذلك .
" القسم الأول " : يعني من أقسام طرق إثبات العلة :
الدليل النقلي ، وهو يعم الكتاب والسنة ، " وهو " يعني إثبات العلة أو الدليل النقلي في إثباتها " ضربان " :
قوله : " فإن أضيف إلى ما لا يصلح علة " إلى آخره . معنى هذا الكلام أن الفعل بحكم الأصل في وضع اللغة أو استعمالها إنما يضاف إلى علته وسببه ، فإن أضيف إلى ما لا يصلح علة ، فهو مجاز ، ويعرف ذلك بقيام الدليل على عدم صلاحيته علة ، مثل أن يقال للفاعل : " لم فعلت ؟ فيقول : لأني أردت " فإن هذا لا يصلح أن يكون علة ، فهو استعمال اللفظ في غير محله ، وإنما قلنا : إن الإرادة ليست علة للفعل وإن كانت هي الموجبة [ ص: 360 ] لوجوده ، أو المصححة له ، لأن المراد بالعلة في الاصطلاح هو المقتضي الخارجي للفعل ، أي : المقتضي له من خارج ، والإرادة ليست معنى خارجا عن الفاعل .
قوله : " أما نحو : إنها رجس " إلى آخره . هذا ذكر أمثلة اختلف فيها ، هل هي صريح في التعليل أو تنبيه ؟
قلت : النزاع في هذا لفظي ، لأن أبا الخطاب يعني بكونه صريحا في التعليل كونه تبادر منه إلى الذهن بلا توقف في عرف اللغة ، وغيره يعني بكونه ليس بصريح أن حرف إن ليست موضوعة للتعليل في اللغة . وهذا أقرب إلى التحقيق ، وإنما فهم التعليل منه فهما ظاهرا متبادرا بقرينة سياق الكلام وصيانة له عن الإلغاء ، لأن قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022414إنها من الطوافين عليكم والطوافات إنها ليست بنجس ونحو ذلك; لو قدر استقلاله وعدم تعلقه بما قبله ، لم يكن له فائدة ، فتعين لذلك ارتباطه بما قبله ، ولا معنى له إلا ارتباط العلة بمعلولها ، والسبب بمسببه . فبهذا الطريق يثبت كونه للتعليل لا بوضع اللغة .
قوله : " اعتمادا على فهمه " إلى آخره . أي : حكمنا بالسببية في لفظ الراوي اعتمادا على فهمه لها من فعل الشارع ، " وكونه من أهل اللغة " فلا يخفى عليه ما تقتضيه ألفاظها ، فلا يروي لنا صورة إلا وهي تفيد الواقع ، وعلى كونه أمينا على الشريعة ، فلا يروي لنا ما يوقع التدليس فيها ، ولا شك أن اللبس إنما يقع مع رواية جاهل أو خائن ، والراوي إن كان صحابيا ، فالجهل والخيانة منفيان عنه ، وإن كان غير صحابي ، فنحن لا نقبل إلا رواية من انتفت عنه الصفتان ، فحصل الأمان من اللبس .
[ ص: 364 ] قوله : " واشترط بعضهم المناسبة " إلى آخره . اعلم أن الأصوليين اختلفوا : هل يشترط في استفادة السببية من ترتيب الحكم على الفاء أن يكون السبب مناسبا للحكم ، كمناسبة الزنا للرجم ونحوه أم لا ؟ والكلام فيما قدمناه في ذلك عام فيما إذا كان مناسبا أو غير مناسب وهو الصحيح ، واشترط بعض الأصوليين أن يكون مناسبا ، إذ لو لم تشترط مناسبته ، " لفهم من " قولنا : " صلى " زيد " فأكل " أن الصلاة سبب للأكل ، لكنه باطل في اللغة والعرف ، فوجب أن تكون المناسبة شرطا .
والجواب : لا نسلم بطلان ذلك في اللغة ولا العرف بدليل أن من قال : أكرم الجهال وأهن العلماء ; نفر من كلامه كل عاقل ، وما ذاك إلا أنهم يفهمون سببية العلم للإهانة والجهل للإكرام ، وهو مما تأباه العقول .
وقولكم : صلى زيد فأكل ، وأكل ماعز فرجم ، وباع الأعرابي ، فوجب عليه الكفارة ، وقام النبي فسجد ، وأشباه ذلك; حجة عليكم ، لأنكم إنما أنكرتموه بناء على فهم سببية ما ليس بمناسب ، إذ لو لم تفهموا السببية لما أنكرتم هذا الكلام ، وإنما لم يفهم من قول القائل : صلى فأكل ، سببية الصلاة للأكل ، لأنه غير مناسب عقلا ، وليس الكلام في المناسبة العقلية; إنما الكلام في إفادة الكلام السببية لغة ، ونحن نقول به ، إذ لو روي لنا من وجه [ ص: 365 ] صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فأكل ، أو أكل فسجد ، وما شئتم من هذا الباب ، لحكمنا بالسببية فيه بناء على أنه فعل ذلك ، ومتابعته علينا واجبة في الواجبات ، ومندوبة في المندوبات ، ونجعل ذلك من قبيل الأسباب التعبدية ، نحو : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022100من مس ذكره فليتوضأ ، و : من أنزل الماء فليغتسل . وأشباه ذلك .