[ ص: 629 ] السادسة : يجوز للعامي تقليد المجتهد ، ولا يجوز ذلك لمجتهد اجتهد وظن الحكم ، اتفاقا فيهما ، أما من لم يجتهد ويمكنه معرفة الحكم بنفسه بالقوة القريبة من الفعل لأهليته للاجتهاد ، فلا يجوز له أيضا مطلقا ؛ خلافا للظاهرية .
وقيل : يجوز مع ضيق الوقت ، وقيل : ليعمل لا ليفتي ، وقيل : لمن هو أعلم منه ، وقيل : من الصحابة .
لنا : مجتهد فلا يقلد ، كما لو اجتهد فظن الحكم ، ولأنه ربما اعتقد خطأ غيره لو اجتهد ، فكيف يعمل بما يعتقد خطأه ؟ نعم ، له أن ينقل مذهب غيره للمستفتي ، ولا يفتي هو بتقليد أحد .
المسألة " السادسة : يجوز للعامي تقليد المجتهد ولا يجوز ذلك لمجتهد اجتهد ، وظن الحكم ، اتفاقا فيهما " ، أي : في الصورتين المذكورتين . أي : أن العامي يجوز له تقليد المجتهد بالاتفاق ، وأن المجتهد إذا اجتهد وغلب على ظنه أن الحكم كذا لا يجوز تقليد غيره بالاتفاق أيضا ، أي : لا خلاف في ذلك . " أما من لم يجتهد " في الحكم بعد ، وهو متمكن من معرفته بنفسه " بالقوة القريبة من الفعل " ، لكونه أهلا للاجتهاد ، " فلا يجوز له " تقليد غيره " أيضا مطلقا " ؛ لا لأعلم منه ولا لغيره ؛ لا من الصحابة - رضي الله عنهم - ولا غيرهم ؛ لا للعمل ولا للفتيا ؛ لا مع ضيق الوقت ولا سعته . هذا فائدة قوله : " مطلقا ، خلافا للظاهرية " .
[ ص: 630 ] قلت : هذا عن الظاهرية ، لا أعلم الآن من أين نقلته في " المختصر " ، ولم أره في " الروضة " ، ولا أحسبه إلا وهما ممن نقلته عنه ، أو في النسخة التي كان منها الاختصار ، فإن الظاهرية أشد الناس في منع التقليد لغير ظواهر الشرع .
" وقيل : يجوز " - يعني التقليد - لهذا المجتهد المذكور " مع ضيق الوقت " عن معرفة الحكم باجتهاده ، مثل أن ضاق وقت الصلاة ، وقد أشكل عليه بعض شروطها وأركانها ، بحيث لو أخرها ليستوفي النظر في ذلك فات وقتها ؛ جاز له أن يقلد بعض الأئمة في ذلك .
" وقيل " : يجوز له التقليد " ليعمل " به " لا ليفتي " به - يعني فيما يخصه دون ما يتعلق به حكم غيره - وهو قول بعض العراقيين .
" وقيل " : يجوز له التقليد " لمن هو أعلم منه " من الصحابة أو غيرهم ، دون غيره ، وهو قول محمد بن الحسن .
" وقيل " : يجوز تقليد غيره " من الصحابة " دون غيرهم .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي أقوالا وتفاصيل أذكرها تكملة ، فقال :
المجتهد إذا اجتهد في مسألة ، وأداه اجتهاده إلى حكم لا يجوز له تقليد غيره في مقابل ذلك الحكم بالاتفاق ، وإن لم يكن قد اجتهد فيها ، قال الجبائي : الأولى له أن يجتهد ، مع جواز التقليد فيها لواحد من الصحابة ، إذا ترجح في نظره على غيره ، وإلا فله تقليد من شاء منهم ، ولا يقلد غير الصحابي ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في رسالته القديمة ، ومنهم من جوز تقليده للتابعي أيضا دون من بعده .
وقال ابن سريج : يجوز تقليد العالم لمن هو أعلم منه ، إذا تعذر عليه وجه الاجتهاد .
وقال أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري : يجوز تقليد العالم للعالم مطلقا .
وعن أبي حنيفة في ذلك روايتان .
وقال بعض العراقيين : يجوز تقليد العالم للعالم فيما يفتي به . ومن هؤلاء من خصص ذلك بما يفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد .
وذهب القاضي أبو بكر ، وأكثر الفقهاء إلى منع تقليد العالم للعالم مطلقا ، قال : وهو المختار .
قلت : ما حكاه عن أحمد ، من جواز تقليد العالم للعالم مطلقا غير معروف عندنا ، وإنما المشهور عنه الأخذ بقول الصحابي لا تقليدا له بل بنوع استدلال ، كما سبق في موضعه . هذا ما أردنا حكايته من الأقوال في المسألة .
أحدهما : القياس على ما لو اجتهد ، وظن الحكم ، لأن الكلام في مجتهد لم يجتهد بالفعل ، فنقول : هذا مجتهد ، فلا يجوز له تقليد غيره ، " كما لو اجتهد وظن الحكم " ، فإنه لا يجوز له تقليد غيره اتفاقا ، كذلك ههنا ، والجامع بينهما أهلية الاجتهاد ، ولا أثر للفرق بينهما ، بأن ذلك قد اجتهد [ ص: 632 ] بالفعل ، وظن الحكم ، بخلاف هذا ، لأن ذلك تفاوت يسير ، لأن تحصيل ظن الحكم على هذا يسير ، بأن يجتهد كما اجتهد غيره .
الوجه الثاني : أنه ربما اجتهد ، فتبين له خطأ من قلده . وحينئذ كيف يجوز أن " يعمل بما يعتقد خطأه ؟ " ولقائل أن يقول : إنا إذا جوزنا له تقليد ذلك الغير ، فإنما ذلك بشرط أن لا يوجد منه اجتهاد في ذلك الحكم بنفسه ، فإن وجد منه اجتهاد تعين ما صار إليه اجتهاده وسقط التقليد ، كواجد الماء بعد التيمم وسائر المبدلات بعد إبدالها .
قوله : " نعم " أي : لا يجوز للمجتهد أن يقلد غيره . " نعم له أن ينقل مذهب غيره للمستفتي " ، إرشادا له إليه ، " ولا يفتي هو بتقليد أحد " .