هذه المسألة تعرف بمسألة الواجب المخير ، وهو وجوب واحد لا بعينه من أشياء .
وتلخيص القول فيه :
إن الواجب ، إما أن يكون معينا ، كإعتاق هذا العبد ، مثل أن ينذر عتق هذا العبد المعين ، أو عتق زيد من عبيده ، فيكون مخاطبا بعتقه على التعيين ، وكذلك من نذر الصدقة بمال بعينه ، كهذه الدنانير ، أو الإبل أو الخيل ونحوه ، كان مخاطبا بالصدقة به بعينه حسب ما التزمه بالنذر . وكذا لو فرض أن الله تعالى أوجب التكفير على عباده أو بعضهم ، في كفارة اليمين أو غيرها ، بخصلة معينة من خصال الكفارة المشروعة ، كالإعتاق أو الإطعام أو الكسوة ، وجبت تلك الخصلة بعينها . [ ص: 280 ]
قلت : ولا حاجة بنا إلى قولنا : في أقسام محصورة ، لأن السيد لو قال لعبده : اخدمني اليوم نوعا من الخدمة ، أي أنواعها شئت ، أو تصدق عني بنوع من أنواع مالي ، أيها شئت ، أو أكرم شخصا من الناس ، أو من أصحابي أيهم شئت ، صح هذا الكلام عقلا ، وخرج به عن العهدة ، وإن لم تكن الأقسام محصورة في الخطاب .
ولكن الشيخ أبا محمد تابع أبا حامد في هذه العبارة ، وذكر صفة الحصر وهي غير مؤثرة .
" وقال بعض المعتزلة : الجميع واجب " وهذا محكي عن nindex.php?page=showalam&ids=13980أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم . أطلقا القول بوجوب جميع الخصال على التخيير .
قوله : " وهو لفظي " يعني الخلاف بين الجمهور ، وبين أصحاب هذا القول . وقد صرح أبو الحسين في " شرح العهد " بأن الخلاف لفظي ، أي : في اللفظ ، والمعنى متفق عليه . وذلك لأنه لا خلاف بين المسلمين أنه لو فعل جميع الخصال ، لم يثب ثواب أداء الواجب إلا على واحدة ، ولو ترك الجميع ، لم يعاقب عقاب ترك الواجب إلا على واحدة ، ولو وجب الجميع ، لترتب الثواب والعقاب على جميع الخصال ، وتقدر به ، ولما خرج عن عهدة التكليف بفعل واحدة ، وكل ذلك باطل [ ص: 281 ] بالإجماع . ووافق الخصم على هذا فلم يبق النزاع إلا في اللفظ . غير أن نصب الخلاف معهم جرى على عادة الأصوليين ، ودفعا لشبهة غالط إن كان .
ثم إن قولهم : يجب الجميع على التخيير ، كلام متناقض في نفسه ، إذ مقتضى وجوب الجميع : أنه لا يبرأ إلا بفعل الجميع . ومقتضى التخيير : أنه يبرأ بفعل أيها شاء ، وهما لا يجتمعان ، وإنما مرادهم بوجوب الجميع ، أنه لا يجوز ترك الجميع ، وهو صحيح ، لكن لا يلزم منه وجوب فعل الجميع ، أو وجوب الجميع على البدل ، لا على الجمع . بمعنى : إن لم تفعل هذا افعل هذا ، وهو مذهب الجمهور .
وقال القرافي في معناه : إن الوجوب تعلق بالجميع على وجه تبرأ الذمة بفعل البعض ، وهو معنى ما قلناه : وتبين بذلك أن الخلاف لفظي .
وأقول : إن الغلط في المسألة ، إما من المعتزلة ، حيث ظنوا أن الوجوب مع التخيير لا يجتمعان ، أو من الجمهور على المعتزلة ، بأن رأوا لهم عبارة موهمة أو بعيدة الغور ، فظنوا أنهم أرادوا وجوب الجميع ، كما وهموا عليهم في تلخيص مسألة تحسين العقل وتقبيحه ، وغيرها من المسائل التي توجد في كتب المعتزلة ، على خلاف المنقول عنهم فيها ، كما بينته في كتاب " رد القول القبيح بالتحسين [ ص: 282 ] والتقبيح " .
قوله : " وبعضهم : ما يفعل ، وبعضهم واحد معين " أي : وقال بعض المعتزلة : الواجب من خصال الواجب منها واحد معين ، " ويقوم غيره مقامه "