فصل
فإذا تقرر هذا انبنى عليه قواعد :
منها : أن
كل عمل كان المتبع فيه الهوى بإطلاق من غير التفات إلى الأمر أو النهي أو التخيير ; فهو باطل بإطلاق ; لأنه لا بد للعمل من حامل يحمل عليه ، وداع يدعو إليه ، فإذا لم يكن لتلبية الشارع في ذلك مدخل ، فليس إلا مقتضى الهوى والشهوة ، وما كان كذلك فهو باطل بإطلاق ; لأنه خلاف الحق بإطلاق ، فهذا العمل باطل بإطلاق بمقتضى الدلائل المتقدمة ، وتأمل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه في الموطأ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337542إنك في زمان كثير فقهاؤه ، قليل قراؤه ، تحفظ فيه حدود القرآن ، وتضيع حروفه ، قليل من يسأل ، كثير من يعطي ، يطيلون في الصلاة ، ويقصرون في الخطبة ، يبدءون أعمالهم قبل أهوائهم ، [ ص: 296 ] وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه ، كثير قراؤه ، تحفظ فيه حروف القرآن ، وتضيع حدوده ، كثير من يسأل ، قليل من يعطي ، يطيلون فيه الخطبة ، ويقصرون الصلاة ، يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم .
فأما العبادات ; فكونها باطلة ظاهر ، وأما العادات ; فذلك من حيث عدم ترتب الثواب على مقتضى الأمر والنهي ، فوجودها في ذلك وعدمها سواء ، وكذلك الإذن في عدم أخذ المأذون فيه من جهة المنعم به ، كما تقدم في كتاب الأحكام وفي هذا الكتاب .
وكل فعل كان المتبع فيه بإطلاق الأمر أو النهي أو التخيير ; فهو صحيح وحق لأنه قد أتى به من طريقه الموضوع له ، ووافق فيه صاحبه قصد الشارع ;
[ ص: 297 ] فكان كله صوابا ، وهو ظاهر .
وأما إن امتزج فيه الأمران ; فكان معمولا بهما ; فالحكم للغالب والسابق ، فإن كان السابق أمر الشارع بحيث قصد العامل نيل غرضه من الطريق المشروع ; فلا إشكال في إلحاقه بالقسم الثاني ، وهو ما كان المتبع فيه مقتضى الشرع خاصة لأن طلب الحظوظ والأغراض لا ينافي وضع الشريعة من هذه الجهة ; لأن الشريعة موضوعة أيضا لمصالح العباد ، فإذا جعل الحظ تابعا ; فلا ضرر على العامل .
إلا أن هنا شرطا معتبرا ، وهو أن يكون ذلك الوجه الذي حصل أو يحصل به غرضه مما تبين أن الشارع شرعه لتحصيل مثل ذلك الغرض ، وإلا ; فليس السابق فيه أمر الشارع ، وبيان هذا الشرط مذكور في موضعه .
وإن كان الغالب والسابق هو الهوى وصار أمر الشارع كالتبع ; فهو لاحق بالقسم الأول .
وعلامة الفرق بين القسمين تحري قصد الشارع وعدم ذلك ; فكل عمل شارك العامل فيه هواه فانظر فإن كف هواه ومقتضى شهوته عند نهي الشارع ; فالغالب والسابق لمثل هذا أمر الشارع ، وهواه تبع ، وإن لم يكف عند ورود النهي عليه ; فالغالب والسابق له الهوى والشهوة ، وإذن الشارع تبع لا حكم له عنده ; فواطئ زوجته وهي طاهر محتمل أن يكون فيه تابعا لهواه ، أو لإذن الشارع ، فإن حاضت فانكف ، دل على أن هواه تبع ، وإلا دل على أنه السابق .