فصل
ومن الفوائد في هذا الأصل أن ينظر إلى
كل خارقة صدرت على يدي أحد ; فإن كان لها أصل في كرامات الرسول عليه الصلاة والسلام ومعجزاته ; فهي صحيحة وإن لم يكن لها أصل ، فغير صحيحة ; وإن ظهر ببادئ الرأي أنها كرامة ; إذ ليس كل ما يظهر على يدي الإنسان من الخوارق بكرامة ، بل منها ما يكون كذلك ، ومنها ما لا يكون كذلك .
وبيان ذلك بالمثال أن أرباب التصريف بالهمم والتقربات بالصناعة الفلكية والأحكام النجومية قد تصدر عنهم أفاعيل خارقة ، وهي كلها ظلمات
[ ص: 445 ] بعضها فوق بعض ، ليس لها في الصحة مدخل ، ولا يوجد لها في كرامات النبي - صلى الله عليه وسلم - منبع ; لأنه إن كان ذلك بدعاء مخصوص ، فدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على تلك النسبة ، ولا تجري فيه تلك الهيئة ، ولا اعتمد على قران في الكواكب ، ولا التمس سعودها أو نحوسها ، بل تحرى مجرد الاعتماد على من إليه يرجع الأمر كله واللجأ إليه ، معرضا عن الكواكب وناهيا عن الاستناد إليها ; إذ قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337406أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر الحديث ، وإن تحرى وقتا أو دعا [ إلى تحريه ] ; فلسبب بريء من هذا كله ; كحديث التنزل ، وحديث اجتماع الملائكة طرفي النهار ، وأشباه ذلك .
[ ص: 446 ] والدعاء أيضا عبادة لا يزاد فيها ولا ينقص ، أعني الكيفيات المستفعلة والهيئات المتكلفة التي لم يعهد مثلها فيما تقدم ، وكذلك الأدعية التي لا تجد مساقها في متقدم الزمان ولا متأخره ، ولا مستعمل النبي عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح ، والتي روعي فيها طبائع الحروف في زعم أهل الفلسفة ومن نحا نحوهم مما لم يقل به غيرهم ، وإن كان بغير دعاء كتسليط الهمم على الأشياء حتى تنفعل ; فذلك غير ثابت النقل ، ولا تجد له أصلا ، بل أصل ذلك حال حكمي وتدبير فلسفي لا شرعي ، هذا وإن كان الانفعال الخارق حاصلا به ; فليس بدليل على الصحة ، كما أنه قد يتعدى ظاهرا بالقتل والجرح ، بل قد يوصل بالسحر والعين إلى أمثال ذلك ، ولا يكون شاهدا على صحته ، بل هو باطل صرف ، وتعد محض ، وهذا الموضع مزلة قدم للعوام ولكثير من الخواص ، فلتنبه له .