فصل
ومنها أنه لما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذر وبشر وأنذر ، وندب ، وتصرف بمقتضى الخوارق من الفراسة الصادقة ، والإلهام الصحيح ، والكشف الواضح ، والرؤيا الصالحة ; كان من فعل مثل ذلك ممن اختص بشيء من هذه الأمور على
[ ص: 447 ] طريق من الصواب ، وعاملا بما ليس بخارج عن المشروع ، لكن مع مراعاة شرط ذلك ، ومن الدليل على صحته زائدا إلى ما تقدم أمران :
أحدهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عمل بمقتضى ذلك أمرا ونهيا ، وتحذيرا وتبشيرا وإرشادا ، مع أنه لم يذكر أن ذلك خاص به دون أمته ; فدل على أن الأمة حكمهم في ذلك حكمه ، شأن كل عمل صدر منه ولم يثبت دليل على الاختصاص به دون غيره ، ويكفي من ذلك ما ترك بعده في أمته من المبشرات ، وإنما فائدتها البشارة والنذارة التي يترتب عليها الإقدام والإحجام .
وقد قال عليه الصلاة والسلام
nindex.php?page=showalam&ids=12لعبد الله بن عمر في رؤياه الملكين وقولهما له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337599نعم الرجل أنت لو تكثر الصلاة ; فلم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة .
[ ص: 448 ] وفي رواية : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337600إن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل .
وقال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337601إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم .
وقوله
لثعلبة بن حاطب وسأله الدعاء له بكثرة المال :
قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه .
[ ص: 449 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=9لأنس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337603اللهم كثر ماله وولده .
ودل عليه الصلاة والسلام أناسا شتى على ما هو أفضل الأعمال في حق كل واحد منهم ، عملا بالفراسة الصادقة فيهم ، وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337604لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ; فأعطاها
عليا - رضي الله عنه - ففتح الله على يديه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=7لعثمان بن عفان : إنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337605لعل الله أن يقمصك قميصا ، فإن أرادوك على خلعه ; فلا تخلعه .
[ ص: 450 ] فرتب على الاطلاع الغيبي وصاياه النافعة ، وأخبر أنه ستكون لهم أنماط ويغدو أحدهم في حلة ويروح في أخرى ، وتوضع بين يديه صحفة وترفع أخرى ، ثم قال آخر الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337606وأنتم اليوم خير منكم يومئذ .
[ ص: 451 ] [ ص: 452 ] وأخبر بملك
معاوية ووصاه ،
وأن عمارا تقتله الفئة الباغية ، وبأمراء
[ ص: 453 ] [ ص: 454 ] يؤخرون الصلاة عن وقتها ثم وصاهم كيف يصنعون ، وأنهم سيلقون بعده أثرة ، ثم أمرهم بالصبر إلى سائر ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من المغيبات التي حصلت بها فوائد الإيمان والتصديق ، والتحذير والتبشير ، وغير ذلك وهو أكثر من أن يحصى .
والثاني : عمل الصحابة رضي الله عنهم بمثل ذلك من الفراسة والكشف والإلهام والوحي النومي ; كقول
أبي بكر : " إنما هما أخواك وأختاك " .
وقول
عمر :
" يا سارية الجبل " ; فاعمل النصيحة التي أنبأ عنها الكشف .
[ ص: 455 ] ونهيه لمن أراد أن يقص على الناس ، وقال :
أخاف أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا .
وقوله لمن قص عليه رؤياه أن الشمس والقمر رآهما يقتتلان ; فقال : مع أيهما كنت ؟ قال : مع القمر . قال : كنت مع الآية الممحوة ، لا تلي [ لي ] عملا أبدا .
[ ص: 456 ] ويكثر نقل مثل هذا عن السلف الصالح ومن بعدهم من العلماء والأولياء - نفع الله بهم - ولكن يبقى هنا النظر في شرط العمل على مقتضى هذه الأمور ، والكلام فيه يحتمل بسطا ; فلنفرده بالكلام عليه ، وهي :