[ ص: 86 ] المسألة السادسة
كل
من كلف بمصالح نفسه فليس على غيره القيام بمصالحه مع الاختيار والدليل على ذلك أوجه :
أحدها : أن المصالح إما دينية أخروية ، وإما دنيوية ، أما الدينية ، فلا سبيل إلى قيام الغير مقامه فيها حسبما تقدم وليس الكلام هنا فيها; إذ لا ينوب فيها أحد عن أحد ، وإنما النظر في الدنيوية التي تصح النيابة فيها ، فإذا فرضنا أنه مكلف بها ، فقد تعينت عليه ، وإذا تعينت عليه سقطت عن الغير بحكم التعيين فلم يكن غيره مكلفا بها أصلا .
والثاني : أنه لو كان الغير مكلفا بها أيضا لما كانت متعينة على هذا المكلف ولا كان مطلوبا بها ألبتة; لأن المقصود حصول المصلحة ، أو درء المفسدة ، وقد قام بها الغير بحكم التكليف فلزم أن لا يكون هو مكلفا بها وقد فرضناه مكلفا بها على التعيين ، هذا خلف لا يصح .
والثالث : أنه لو كان الغير مكلفا بها فإما على التعيين ، وإما على الكفاية ، وعلى كل تقدير فغير صحيح ، أما كونه على التعيين فكما تقدم ، وأما على الكفاية فالفرض أنه على المكلف عينا لا كفاية فيلزم أن يكون واجبا عليه عينا غير واجب عليه عينا في حالة واحدة ، وهو محال
[ ص: 87 ] اللهم إلا أن تلحقه ضرورة ، فإنه عند ذلك ساقط عنه التكليف بتلك المصالح ، أو ببعضها مع اضطراره إليها فيجب على الغير القيام بها ولذلك شرعت الزكاة والصدقة والإقراض والتعاون ، وغسل الموتى ، ودفنهم والقيام على الأطفال والمجانين والنظر في مصالحهم ، وما أشبه ذلك من المصالح التي لا يقدر المحتاج إليها على استجلابها والمفاسد التي لا يقدر على استدفاعها ، فعلى هذا يقال : كل من لم يكلف بمصالح نفسه فعلى غيره القيام بمصالحه بحيث لا يلحق ذلك الغير ضرر ، فالعبد لما استغرقت منافعه مصالح سيده كان سيده مطلوبا بالقيام بمصالحه ، والزوجة كذلك صيرها الشارع للزوج كالأسير تحت يده فهو قد ملك منافعها الباطنة من جهة الاستمتاع والظاهرة من جهة القيام على ولده ، وبيته فكان مكلفا بالقيام عليها فقال الله تعالى
الرجال قوامون على النساء [ النساء : 34 ] الآية .