[ ص: 109 ] المسألة الحادية عشرة
الحيل في الدين بالمعنى المذكور غير مشروعة في الجملة ، والدليل على ذلك ما لا ينحصر من الكتاب والسنة ، لكن في خصوصيات يفهم من مجموعها منعها والنهي عنها على القطع .
فمن الكتاب ما وصف الله به المنافقين في قوله تعالى :
ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر [ البقرة : 8 ] إلى آخر الآيات .
فذمهم ، وتوعدهم ، وشنع عليهم ، وحقيقة أمرهم أنهم أظهروا كلمة الإسلام إحرازا لدمائهم ، وأموالهم لا لما قصد له في الشرع من الدخول تحت طاعة الله على اختيار ، وتصديق قلبي ، وبهذا المعنى كانوا في الدرك الأسفل من النار ، وقيل فيهم : إنهم
يخادعون الله والذين آمنوا [ البقرة : 9 ] .
وقالوا عن أنفسهم :
إنما نحن مستهزئون [ البقرة : 14 ] لأنهم تحيلوا بملابسة الدين ، وأهله إلى أغراضهم الفاسدة .
وقال تعالى في المرائين بأعمالهم :
كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب [ البقرة : 264 ] الآية .
وقال :
والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر [ النساء : 38 ] .
وقال :
يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا [ النساء : 142 ] فذم ،
[ ص: 110 ] وتوعد; لأنه إظهار للطاعة لقصد دنيوي يتوصل بها إليه ، وقال تعالى في أصحاب الجنة :
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة الآية إلى قوله :
فأصبحت كالصريم [ القلم : 17 - 20 ] لما احتالوا على إمساك حق المساكين بأن قصدوا الصرام في غير وقت إتيانهم عذبهم الله تعالى بإهلاك مالهم .
وقال :
ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [ البقرة : 65 ] الآية ، وأشباهها لأنهم احتالوا للاصطياد في السبت بصورة الاصطياد في غيره .
وقال تعالى :
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا إلى قوله :
ولا تتخذوا آيات الله هزوا [ البقرة : 231 ] .
وفسرت بأن
الله حرم على الرجل أن يرتجع المرأة يقصد بذلك مضارتها [ ص: 111 ] بأن يطلقها ثم يمهلها حتى تشارف انقضاء العدة ، ثم يرتجعها ، ثم يطلقها حتى تشارف انقضاء العدة ، وهكذا لا يرتجعها لغرض له فيها سوى الإضرار بها .
وقد جاء في قوله تعالى :
وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا [ البقرة : 228 ] إلى قوله :
الطلاق مرتان [ البقرة : 229 ] أن الطلاق كان في أول الإسلام إلى غير عدد فكان الرجل يرتجع المرأة قبل أن تنقضي عدتها ، ثم يطلقها ، ثم يرتجعها كذلك قصدا .
فنزلت
الطلاق مرتان [ البقرة : 229 ] ، ونزل مع ذلك
ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا [ البقرة : 229 ] الآية فيمن كان يضار المرأة حتى تفتدي منه .
وهذه كلها حيل على بلوغ غرض لم يشرع ذلك الحكم لأجله ، وقال تعالى :
من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار [ النساء : 12 ] يعني بالورثة بأن يوصي بأكثر من الثلث ، أو يوصي لوارث احتيالا على حرمان بعض الورثة .
وقال تعالى :
ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا [ النساء : 6 ] ، وقوله تعالى :
ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن [ النساء : 19 ] الآية إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى .
[ ص: 112 ] ومن الأحاديث قوله - عليه الصلاة والسلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337425لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة فهذا نهي عن الاحتيال لإسقاط الواجب ، أو تقليله .
وقال :
لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود والنصارى يستحلون محارم الله بأدنى الحيل .
وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337652من أدخل فرسا بين فرسين ، وقد أمن أن تسبق فهو قمار .
وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337653قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها ، وأكلوا أثمانها .
[ ص: 113 ] وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337654ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ، ويجعل منهم القردة والخنازير .
ويروى موقوفا على
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ومرفوعا :
" يأتي على الناس زمان يستحل فيه خمسة أشياء بخمسة أشياء : يستحلون الخمر بأسماء يسمونها بها ، والسحت [ ص: 114 ] بالهدية ، والقتل بالرهبة ، والزنى بالنكاح ، والربا بالبيع " .
وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337655إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ، وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء ، فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم .
[ ص: 115 ] [ ص: 116 ] وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337656لعن الله المحلل والمحلل له .
وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337657لعن الله الراشي والمرتشي .
[ ص: 117 ] ونهى عن
هدية المديان فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337658إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدي إليه ، أو حمله على الدابة ، فلا يركبها ولا يقبلها إلا أن يكون جرى بينه ، وبينه قبل ذلك .
[ ص: 118 ] وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337622القاتل لا يرث .
وجعل
هدايا الأمراء غلولا ، ونهى عن البيع والسلف .
وقالت
عائشة : أبلغي
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 119 ] إن لم يتب .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة كلها دائرة على أن التحيل في قلب الأحكام ظاهرا غير جائز ، وعليه عامة الأمة من الصحابة والتابعين .