[ ص: 292 ] المسألة الرابعة عشرة
اقتضاء الأدلة للأحكام بالنسبة إلى محالها على وجهين :
أحدهما : الاقتضاء الأصلي قبل طروء العوارض ، وهو الواقع على المحل مجردا عن التوابع والإضافات كالحكم بإباحة الصيد والبيع والإجارة ، وسن النكاح ، وندب الصدقات غير الزكاة ، وما أشبه ذلك .
والثاني : الاقتضاء التبعي ، وهو الواقع على المحل مع اعتبار التوابع والإضافات كالحكم بإباحة النكاح لمن لا أرب له في النساء ، ووجوبه على من خشي العنت ، وكراهية الصيد لمن قصد فيه اللهو ، وكراهية الصلاة لمن حضره الطعام ، أو لمن يدافعه الأخبثان ، وبالجملة كل ما اختلف حكمه الأصلي لاقتران أمر خارجي .
فإذا تبين المعنى المراد فهل يصح الاقتصار في الاستدلال عن الدليل المقتضي للحكم الأصلي أم لا بد من اعتبار التوابع والإضافات حتى يتقيد دليل الإطلاق بالأدلة المقتضية لاعتبارها هذا مما فيه نظر وتفصيل .
فلا يخلو أن يأخذ المستدل الدليل على الحكم مفردا مجردا عن اعتبار الواقع أولا ، فإن أخذه مجردا صح الاستدلال ، وإن أخذه بقيد الوقوع ، فلا يصح ، وبيان ذلك أن الدليل المأخوذ بقيد الوقوع معناه التنزيل على المناط
[ ص: 293 ] المعين ، وتعيين المناط موجب في كثير من النوازل إلى ضمائم وتقييدات لا يشعر المكلف بها عند عدم التعيين ، وإذا لم يشعر بها لم يلزم بيانها ; إذ ليس موضع الحاجة بخلاف [ ما ] إذا اقترن المناط بأمر محتاج إلى اعتباره في الاستدلال ، فلا بد من اعتباره .
فقول الله تعالى :
لا يستوي القاعدون من المؤمنين [ النساء : 95 ] الآية لما نزلت أولا كانت مقررة لحكم أصلي منزل على مناط أصلي من القدرة ، وإمكان الامتثال ، وهو السابق فلم ينزل حكم أولي الضرر ولما اشتبه ذو الضرر ظن أن عموم نفي الاستواء ، يستوي فيه ذو الضرر وغيره ، فخاف من ذلك وسأل الرخصة ، فنزل :
غير أولي الضرر .
ولما قال عليه الصلاة والسلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337693من نوقش الحساب عذب بناء على
[ ص: 294 ] تأصيل قاعدة أخروية سألت
عائشة عن معنى قول الله عز وجل
فسوف يحاسب حسابا يسيرا [ الانشقاق : 8 ] ; لأنه يشكل دخوله تحت عموم الحديث فبين - عليه الصلاة والسلام - أن ذلك العرض لا الحساب المناقش فيه .
وقال - عليه الصلاة والسلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337694من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه إلخ فسألته
عائشة عن هذه الكراهية هل هي الطبيعية أم لا فأخبرها أن لا ، وتبين مناط الكراهية المرادة ، وقال الله تعالى :
وقوموا لله قانتين [ البقرة : 238 ] تنزيلا على المناط المعتاد فلما عرض مناط آخر خارج عن المعتاد ، وهو المرض بينه - عليه الصلاة والسلام - بقوله وفعله حين جحش شقه .
وقال - عليه الصلاة والسلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337695أنا وكافل اليتيم كهاتين ، ثم لما تعين
[ ص: 295 ] مناط فيه نظر ، قال - عليه الصلاة والسلام -
لأبي ذر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337696لا تولين مال يتيم .
والأمثلة في هذا المعنى لا تحصى واستقراؤها من الشريعة يفيد العلم بصحة هذا التفصيل فلو فرض نزول حكم عام ، ثم أتى كل من سمعه يتثبت في مقتضى ذلك العام بالنسبة إليه لكان الجواب على وفق هذه القاعدة نظير وصيته - عليه الصلاة والسلام - لبعض أصحابه بشيء ، ووصيته لبعض بأمر آخر كما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337697قل ربي الله ، ثم استقم ، وقال لآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337698لا تغضب ، وكما قبل من
[ ص: 296 ] بعضهم جميع ماله ، ومن بعضهم شطره ورد على بعضهم ما أتى به بعد تحريضه على الإنفاق في سبيل الله إلى سائر الأمثال .