فصل
فإن قيل : حاصل ما مر أنه بحث في عبارة ، والمعنى متفق عليه ، ومثله لا ينبني عليه حكم .
فالجواب أن لا ، بل هو بحث فيما ينبني عليه أحكام : منها : أنهم اختلفوا في
العام إذا خص ; هل يبقى حجة أم لا ؟ وهي من المسائل الخطيرة في الدين ; فإن الخلاف فيها في ظاهر الأمر شنيع لأن غالب الأدلة الشرعية وعمدتها هي العمومات ، فإذا عدت من المسائل المختلف فيها بناء على ما قالوه أيضا من أن جميع العمومات أو غالبها مخصص ; صار معظم الشريعة مختلفا فيها : هل هو حجة أم لا ؟ ومثل ذلك يلقى في المطلقات فانظر فيه ، فإذا عرضت المسألة على هذا الأصل المذكور ; لم يبق الإشكال المحظور ، وصارت العمومات حجة على كل قول
[ ص: 47 ] ولقد أدى إشكال هذا الموضع إلى شناعة أخرى ، وهي أن عمومات
[ ص: 48 ] القرآن ليس فيها ما هو معتد به في حقيقته من العموم ، وإن قيل بأنه حجة بعد التخصيص ، وفيه ما يقتضي إبطال الكليات القرآنية ، وإسقاط الاستدلال به جملة ; إلا بجهة من التساهل وتحسين الظن ، لا على تحقيق النظر والقطع بالحكم ، وفي هذا إذا تؤمل توهين الأدلة الشرعية ، وتضعيف الاستناد إليها ، وربما نقلوا في الحجة لهذا الموضع عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ; أنه قال : ليس في القرآن عام إلا مخصص ، إلا قوله تعالى :
والله بكل شيء عليم [ البقرة : 282 ] وجميع ذلك مخالف لكلام العرب ، ومخالف لما كان عليه السلف الصالح من القطع بعموماته التي فهموها تحقيقا ، بحسب قصد العرب في اللسان ، وبحسب قصد الشارع في موارد الأحكام .
وأيضا ; فمن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع الكلم ، واختصر له الكلام اختصارا على وجه هو أبلغ ما يكون ، وأقرب ما يمكن في التحصيل ، ورأس هذه الجوامع في التعبير العمومات فإذا فرض أنها ليست بموجودة في
[ ص: 49 ] القرآن جوامع ، بل على وجه تفتقر فيه إلى مخصصات ومقيدات وأمور أخر ; فقد خرجت تلك العمومات عن أن تكون جوامع مختصرة ، وما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إن ثبت من طريق صحيح ; فيحتمل التأويل .
فالحق في صيغ العموم إذا وردت أنها على عمومها في الأصل الاستعمالي ، بحيث يفهم محل عمومها العربي الفهم المطلع على مقاصد الشرع ; فثبت أن هذا البحث ينبني عليه فقه كثير وعلم جميل ، وبالله التوفيق