فصل
وهل للقرآن مأخذ في النظر على أن جميع سوره كلام واحد بحسب خطاب العباد ، لا بحسبه في نفسه ؟ فإن كلام الله في نفسه كلام واحد لا تعدد فيه بوجه ولا باعتبار ، حسبما تبين في علم الكلام ، وإنما مورد البحث هنا باعتبار خطاب العباد تنزلا لما هو من معهودهم فيه ، هذا محل احتمال
[ ص: 275 ] وتفصيل فيصح في الاعتبار أن يكون واحدا بالمعنى المتقدم ، أي يتوقف فهم بعضه على بعض بوجه ما ، وذلك أنه يبين بعضه بعضا ; حتى إن كثيرا منه لا يفهم معناه حق الفهم إلا بتفسير موضع آخر أو سورة أخرى ، ولأن كل منصوص عليه فيه من أنواع الضروريات مثلا مقيد بالحاجيات ، فإذا كان كذلك ; فبعضه متوقف على البعض في الفهم ; فلا محالة أن ما هو كذلك فكلام واحد ; فالقرآن كله كلام واحد بهذا الاعتبار .
ويصح أن لا يكون كلاما واحدا ، وهو المعنى الأظهر فيه ; فإنه أنزل سورا مفصولا بينها معنى وابتداء ; فقد كانوا يعرفون انقضاء السورة وابتداء الأخرى بنزول بسم الله الرحمن الرحيم في أول الكلام ، وهكذا نزول أكثر الآيات التي نزلت على وقائع وأسباب يعلم من إفرادها بالنزول استقلال معناها للأفهام ، وذلك لا إشكال فيه .