[ ص: 374 ] المسألة الثانية
الإكثار من الأسئلة مذموم ، والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح ، من ذلك قوله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم الآية [ المائدة : 101 ] .
وفي الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337971قرأ : ولله على الناس حج البيت الآية [ آل عمران : 97 ] ، فقال رجل : يا رسول الله ، أكل عام ؟ فأعرض ، ثم قال : يا رسول الله ، أكل عام ؟ ثلاثا ، وفي كل ذلك يعرض ، وقال في الرابعة : والذي نفسي بيده لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت ما قمتم بها ، ولو لم تقوموا بها لكفرتم ، فذروني ما تركتكم .
وفي مثل هذا نزلت :
لا تسألوا عن أشياء الآية [ المائدة : 101 ] .
[ ص: 375 ] وكره - عليه الصلاة والسلام - المسائل وعابها ، ونهى عن كثرة السؤال ، وكان - عليه الصلاة والسلام - يكره السؤال فيما لم ينزل فيه حكم ، وقال :
إن الله فرض فرائض ، فلا تضيعوها ، ونهى عن أشياء ، فلا تنتهكوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء رحمة بكم لا عن نسيان ، فلا تبحثوا عنها .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ما رأيت قوما خيرا من أصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض - صلى الله عليه وسلم - كلهن في القرآن :
ويسألونك عن المحيض [ البقرة : 222 ]
[ ص: 376 ] ويسألونك عن اليتامى [ البقرة : 220 ] .
يسألونك عن الشهر الحرام [ البقرة : 217 ] ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم .
يعني أن هذا كان الغالب عليهم .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337392إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم عليه ، فحرم عليهم من أجل مسألته .
وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337393ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم [ ص: 377 ] على أنبيائهم .
وقام يوما وهو يعرف في وجهه الغضب ، فذكر الساعة ، وذكر قبلها أمورا عظاما ، ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337972من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه ، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا قال : فأكثر الناس من البكاء حين سمعوا ذلك ، وأكثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : سلوني ، فقام nindex.php?page=showalam&ids=196عبد الله بن حذافة السهمي ، فقال : من أبي ؟ فقال : أبوك حذافة ، فلما أكثر أن يقول : سلوني ، برك nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب على ركبتيه ، فقال : يا رسول الله رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، قال : فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال عمر ذلك ، وقال أولا : والذي نفسي بيده ، لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط ، وأنا أصلي ، فلم أر كاليوم في الخير والشر .
وظاهر هذا المساق يقتضي أنه إنما قال : سلوني في معرض الغضب ، تنكيلا بهم في السؤال حتى يروا عاقبة ذلك ، ولأجل ذلك ورد في الآية قوله :
إن تبد لكم تسؤكم [ المائدة : 101 ] .
ومثل ذلك قصة أصحاب البقرة ، فقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : " لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم ، ولكن شددوا فشدد الله عليهم حتى ذبحوها ، وما كادوا يفعلون " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14355الربيع بن خثيم : يا
عبد الله ، ما علمك الله في كتابه من علم
[ ص: 378 ] فاحمد الله ، وما استأثر عليك به من علم ، فكله إلى عالمه ، ولا تتكلف ، فإن الله يقول لنبيه - عليه الصلاة والسلام - :
قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين [ ص : 86 ] إلخ .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، قال : لا تسألوا عما لم يكن ، فإني سمعت
عمر يلعن من سأل عما لم يكن .
[ ص: 379 ] وفي الحديث أنه - عليه الصلاة والسلام -
نهى عن الأغلوطات .
[ ص: 380 ] فسره
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، فقال : يعني صعاب المسائل .
وذكرت المسائل عند معاوية ، فقال : أما تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى [ ص: 381 ] عن عضل المسائل .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16512عبدة بن أبي لبابة قال : وددت أن حظي من أهل هذا الزمان ألا أسألهم عن شيء ، ولا يسألوني عن شيء ، يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثرون أهل الدراهم بالدراهم .
وورد في الحديث :
" إياكم وكثرة السؤال " .
وسئل
مالك عن حديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337975نهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال " قال : أما كثرة السؤال ، فلا أدري أهو ما أنتم فيه مما أنهاكم عنه من كثرة المسائل ، فقد كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسائل وعابها ، وقال الله تعالى :
لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [ المائدة : 101 ] ، فلا أدري أهو هذا ، أم السؤال في مسألة الناس في الاستعطاء .
[ ص: 382 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، أنه قال على المنبر : أحرج بالله على كل امرئ سأل عن شيء لم يكن ، فإن الله قد بين ما هو كائن .
وقال
ابن وهب : قال لي
مالك وهو ينكر كثرة الجواب للمسائل : يا
عبد الله ، ما علمته فقل به ، ودل عليه ، وما لم تعلم فاسكت عنه ، وإياك أن تتقلد
[ ص: 383 ] للناس قلادة سوء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : إذا أراد الله أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط .
وعن
الحسن قال : إن شرار عباد الله الذين يجيئون بشرار المسائل ، يعنتون بها عباد الله .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : والله لقد بغض هؤلاء القوم إلي المسجد حتى لهو أبغض إلي من كناسة داري ، قلت : من هم يا
أبا عمرو ؟ قال : الأرأيتيون .
وقال : ما كلمة أبغض إلي من " أرأيت " .
[ ص: 384 ] وقال أيضا
لداود الأودي : احفظ عني ثلاثا لها شأن : إذا سئلت عن مسألة فأجبت فيها فلا تتبع مسألتك " أرأيت " ، فإن الله قال في كتابه :
أرأيت من اتخذ إلهه هواه [ الفرقان : 43 ] حتى فرغ من الآية ، والثانية إذا سئلت عن مسألة فلا تقس شيئا بشيء ، فربما حرمت حلالا ، أو حللت حراما ، والثالثة إذا سئلت عما لا تعلم ، فقل لا أعلم ، وأنا شريكك .
وقال
يحيى بن أيوب : بلغني أن أهل العلم كانوا يقولون : إذا أراد الله ألا يعلم عبده خيرا أشغله بالأغاليط .
[ ص: 385 ] والآثار كثيرة .
والحاصل منها أن كثرة السؤال ، ومتابعة المسائل بالأبحاث العقلية ، والاحتمالات النظرية - مذموم ، وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد وعظوا في كثرة السؤال حتى امتنعوا منه ، وكانوا يحبون أن يجيء الأعراب فيسألوه حتى يسمعوا كلامه ، ويحفظوا منه العلم ، ألا ترى ما في الصحيح عن
أنس ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337976نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع .
ولقد أمسكوا عن السؤال حتى جاء
جبريل ، فجلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأمارتها ، ثم أخبرهم - عليه الصلاة والسلام - أنه
جبريل ، وقال : أراد أن تعلموا إذ لم تسألوا .
وهكذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس لا يقدم عليه في السؤال كثيرا ، وكان أصحابه يهابون ذلك ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12311أسد بن الفرات - وقد قدم على
مالك - : وكان
ابن القاسم وغيره من أصحابه يجعلونني أسأله عن المسألة ، فإذا أجاب يقولون : قل له فإن كان كذا ، فأقول له : فضاق علي يوما ، فقال لي : هذه سليسلة بنت سليسلة ، إن أردت هذا ، فعليك
بالعراق ، وإنما كان
مالك يكره فقه العراقيين وأحوالهم لإيغالهم في المسائل وكثرة تفريعهم في الرأي .
[ ص: 386 ] وقد جاء عن
عائشة أن امرأة سألتها عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة ، فقالت لها : أحرورية أنت ؟ إنكارا عليها السؤال عن مثل هذا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337977وقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنين بغرة ، فقال الذي قضى عليه : كيف أغرم من لا شرب ، ولا أكل ، ولا شهق ، ولا استهل ، ومثل ذلك يطل ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : إنما هذا من إخوان الكهان .
[ ص: 387 ] وقال
ربيعة لسعيد في مسألة عقل الأصابع حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها : نقص عقلها ؟ فقال
سعيد : أعراقي أنت ؟ فقلت : بل عالم متثبت ، أو جاهل متعلم ، فقال : هي السنة يابن أخي .
وهذا كاف في
كراهية كثرة السؤال في الجملة .