فصل
وقد حصل في ضمن هذه المسألة الجواب عن مسألة التعليق .
وأما مسألة
النكاح للبر في اليمين ، وما ذكر معها ; فإنه موضع فيه احتمال
[ ص: 397 ] للاختلاف ، وإن كان وجه الصحة هو الأقوى ، فمن نظر إلى أنه نكاح صدر من أهله في محله القابل له كما تقدم بسطه لم يمنع ، ومن نظر إلى أنه لما كان له نية ـ المفارقة أو كان مظنة لذلك ـ أشبه النكاح المؤقت ; لم يجز هذا ، وإن كان
ابن القاسم لم يحك في مسألة نكاح البر خلافا ، فقد غمزه هو أو غيره بأنه لا يقع به الإحصان ، وهذا كاف فيما فيه من الشبهة ، فالموضع مجال نظر المجتهدين .
وإذا نظرنا إلى مذهب
مالك ، وجدنا نكاح البر نكاحا مقصودا لغرضه المقصود ، لكن على أن يرفع حكم اليمين ، وكونه مقصودا به رفع اليمين يكفي بأنه قصد للنكاح المشروع الذي تحل به المرأة للاستمتاع وغيره من مقاصده ، إلا أنه يتضمن رفع اليمين ، وهذا غير قادح ، وكذلك النكاح لقضاء الوطر مقصود أيضا ; لأن قضاء الوطر من مقاصده على الجملة ، ونية الفراق بعد ذلك أمر خارج إلى ما بيده من الطلاق الذي جعل الشارع له ، وقد يبدو له فلا يفارق ، وهذا هو الفرق بينه وبين نكاح المتعة ; فإنه في نكاح المتعة بان على شرط التوقيت .
وكذلك
نكاح التحليل لم يقصد به ما يقصد بالنكاح ، إنما قصد به تحليلها للمطلق الأول بصورة نكاح زوج غيره ، لا بحقيقته ; فلم يتضمن غرضا
[ ص: 398 ] من أغراضه التي شرع لها .
وأيضا ; فمن حيث كان لأجل الغير لا يمكن فيه البقاء معها عرفا أو شرطا ; فلم يمكن أن يكون نكاحا يمكن استمراره .
وأيضا ; فالنص بمنعه عتيد ، فيوقف عنده على أنه لو لم يكن في نكاح المحلل تراوض ولا شرط ، وكان الزوج هو القاصد لذلك ; فإن بعض العلماء يصحح هذا النكاح اعتبارا بأنه قاصد الاستمتاع على الجملة ثم الطلاق ، فقد قصد على الجملة ما يقصد بالنكاح من أغراضه المقصودة ، ويتضمن ذلك العود إلى الأول إن اتفق على قول ، ولا يتضمنه على قول ،
[ ص: 399 ] وذلك بحكم التبعية ، وإن كان هذا من الأقوال المرجوحة فلا يخلو من وجه من النظر .
ومما يدل على أن حل اليمين إذا قصد بالنكاح لا يقدح فيه ، أنه لو نذر أو حلف على فعل قربة من صلاة أو حج أو عمرة أو صيام أو ما أشبه ذلك من العبادات أنه يفعله ، ويصح منه قربة ، وهذا مثله ، فلو كان هذا من اليمين وشبهه قادحا في أصل العقد ، لكان قادحا في أصل العبادة ; لأن شرط العبادة التوجه بها إلى المعبود قاصدا بذلك التقرب إليه ، فكما تصح العبادة المنذورة أو المحلوف عليها ، وإن لم يقصد بها إلا حل اليمين ، وإلا لم يبر فيه ، فكذلك هنا بل أولى ، وكذلك من حلف أن يبيع سلعة يملكها فالعقد ببيعها صحيح ، وإن لم يقصد بذلك إلا حل اليمين ، وكذلك إن حلف أن يصيد أو يذبح هذه الشاة أو ما أشبه ذلك .
وهذا كله راجع إلى أصلين :
أحدهما : إن الأحكام المشروعة للمصالح لا يشترط وجود المصلحة في كل فرد من أفراد محالها ، وإنما يعتبر أن يكون مظنة لها خاصة .
والثاني : أن الأمور العادية إنما يعتبر في صحتها أن لا تكون مناقضة لقصد الشارع ، ولا يشترط ظهور الموافقة ، وكلا الأصلين سيأتي إن شاء الله تعالى .