افتقرنا إلى بيان أن الشرط مع المشروط كالصفة مع الموصوف ، وليس بجزء ، والمستند فيه الاستقراء في الشروط الشرعية ; ألا ترى أن الحول هو المكمل لحكمة حصول النصاب وهي الغنى ; فإنه إذا ملك فقط لم يستقر عليه حكمه إلا بالتمكن من الانتفاع به في وجوه المصالح ; فجعل الشارع الحول مناطا لهذا التمكن الذي ظهر به وجه الغنى ، والحنث في اليمين مكمل
[ ص: 414 ] لمقتضاها ; فإنها لم يجعل لها كفارة إلا وفي الإقدام عليها جناية ما على اسم الله ، وإن اختلفوا في تقريرها ، فعلى كل تقدير لا يتحقق مقتضى الجناية إلا عند الحنث ، فعند ذلك كمل مقتضى اليمين ، والزهوق أيضا مكمل لمقتضى إنفاذ المقاتل الموجب للقصاص أو الدية ، ومكمل لتقرر حقوق الورثة في مال المريض مرضا مخوفا ، والإحصان مكمل لمقتضى جناية الزنى الموجبة للرجم ، وهكذا سائر الشروط الشرعية مع مشروطاتها .
وربما يشكل هذا التقرير بما يذكر من أن
العقل شرط التكليف ، والإيمان شرط في صحة العبادات والتقربات ; فإن العقل إن لم يكن فالتكليف محال عقلا أو سمعا كتكليف العجماوات ، والجمادات فكيف يقال : إنه مكمل ، بل هو العمدة في صحة التكليف ، وكذلك لا يصح أن يقال : إن الإيمان مكمل للعبادات ; فإن عبادة الكافر لا حقيقة لها يصح أن يكملها الإيمان ، وكثير من هذا .
ويرتفع هذا الإشكال بأمرين :
أحدهما : أن هذا من الشروط العقلية لا الشرعية ، وكلامنا في الشروط الشرعية .
[ ص: 415 ] والثاني : أن العقل في الحقيقة شرط مكمل لمحل التكليف وهو الإنسان لا في نفس التكليف ، ومعلوم أنه بالنسبة إلى الإنسان مكمل ، وأما الإيمان فلا نسلم أنه شرط لأن العبادات مبنية عليه ; ألا ترى أن معنى العبادات التوجه إلى المعبود بالخضوع والتعظيم بالقلب والجوارح ؟ وهذا فرع الإيمان ; فكيف يكون أصل الشيء ، وقاعدته التي ينبني عليها شرطا فيه ؟ هذا غير معقول ، ومن أطلق هنا لفظ الشرط ; فعلى التوسع في العبارة .
وأيضا ; فإن سلم في الإيمان أنه شرط ; ففي المكلف لا في التكليف ، ويكون شرط صحة عند بعض ، وشرط وجوب عند بعض ، فيما عدا التكليف بالإيمان حسبما ذكره الأصوليون في مسألة خطاب الكفار بالفروع .