الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله عز وجل أن يعينك على التوبة والاستقامة، ويوفقك لذلك.
واعلم -أخي الكريم- أنه لا يمكن أن يحول بين التائب وبين التوبة حائل مقبول شرعًا ولا عقلًا، فإن الله يغفر الذنوب جميعًا، ولا يكلف نفسًا إلا وسعها، فمَن حقَّق شروط التوبة في ما بينه وبين الله من حقوق؛ من الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فرط منه، والعزم على عدم العودة، وحقق ما يستطيعه من شرط التوبة من الذنوب التي تتعلق بحقوق الآدميين، وهو أداؤها أو الاستحلال منها؛ قبلت توبته، وبرئت ذمته، بفضل الله تعالى.
فتُبْ إلى الله توبة نصوحًا، وادع الله تعالى أن ييسر لك أداء ما عليك من حقوق، ولا تجعل تلك الحقوق أو غيرها سببًا في تأخير التوبة، فإن ذلك من تلبيس الشيطان وتثبيطه؛ فاحذر منه.
ومع أن التوبة من الذنوب المتعلقة بها حقوق مادية لا بد فيها من رد الحقوق لأصحابها، كما سبق بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 3519، 3739، 3051.
إلا أن هذا لا يعني أن العاجز عن الأداء ليس له توبة، بل يبقى ذلك في حكم الدَّين في ذمته، فإن استطاع أن يستحل أصحاب الحقوق فعل وبرئت ذمته، وإن لم يحلوه فهو في حكم الغارم، يأخذ من الزكاة ما يقضي به ديونه، فإن لم يجد بقيت في ذمته دَينًا حتى يؤديه، ولو على دفعات وفترات من الزمان، طال أو قصر، بحسب استطاعته، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: 6420، 40782.
فإن مات قبل أدائها، وكان صادقًا في نية ردها لأصحابها أدى الله عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه. رواه البخاري. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 7576.
وإذا تمكنت مستقبلًا من أداء الحقوق المادية المترتبة عليك، فالواجب المبادرة إلى ذلك، فإن لم تعرف أصحابها أو لم تتمكن من الوصول إليهم فلك أن تتصدق بها عنهم مع ضمانها، فإن وجدوا فيما بعد خيرتهم بين إمضاء الصدقة ويكون أجرها لهم، وبين رد الحق، ويكون أجر الصدقة لك؛ قال ابن القاسم في حاشيته على الروض المربع: الرهون، والودائع، ونحوهما من سائر الأمانات، والأموال المحرمة، كالسرقة، والنهب، إذا جهل أربابها دفعها للحاكم، أو تصدق بها عن ربها، بشرط ضمانها له؛ لأنه في الصدقة بها عنه جمع بين مصلحة القابض بتبرئة ذمته، ومصلحة المالك بتحصيل الثواب له. اهـ.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: يجب رد المال المقترض إلى صاحبه إن كان حيًّا، ويمكن السؤال عنه، وعن مقره عن طريق أقاربه، وإن تعذر ذلك فيسلم إلى ورثته إن وجدوا، وإن تعذر ذلك فيتصدق به عنه، ثم إن لقيته بعد ذلك أخبره بما فعلت، فإن رضي، وإلا ادفع إليه حقه، ويكون أجر المال المتصدق به لك. اهـ.
وبخصوص الغيبة، وما شاكلها من الحقوق المعنوية التي لا تعلم أصحابها، أو لا يمكنك الوصول إليهم، أو كان طلب التحلل منهم سيؤدي إلى مفسدة، وكراهية، وحقد: فإنه يكتفي بالإكثار من الدعاء لهم بظهر الغيب، وبذكر محاسنهم في المجالس التي ذكرتهم فيها بسوء، فقد قيّد العلماء وجوب التحلل بما إذا لم يؤدّ إلى مفسدة، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 148501، 121422، 66515، 215656.
وأما كفارة الأيمان: فأمرها سهل -إن شاء الله- فما تحققت أنه لزمك منها، فيمكنك التكفير عنه بالصيام، ما دمت عاجزًا عن غيره من الإطعام والكسوة والعتق، فقد قال الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ {المائدة:89}.
وما لم تتحقق من لزومه لك فليس عليك فيه شيء؛ لأن الأصل براءة الذمة؛ قال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا كانت عليك أيمان متعددة ولم تدر قدرها، فتحرّ، وإذا شككت هل هي عشرة أو خمسة -مثلًا-؟ فخذ بالأقل، خذ بخمسة؛ لأنها المتيقنة، وما زاد فهو مشكوك فيه، فلا يلزمك فيه الكفارة. اهـ.
وأما الصلوات التي تركتها: فعليك أن تقضيها، وإن كنت لا تعلم عددها، فلتجتهد حتى تؤدي ما يغلب على ظنك براءة ذمتك به، وراجع فتوانا رقم: 70806.
والمنحة الجامعية إن كانت تملك للطالب دون اشتراط صرفها في أمور الجامعة، فهي ملكه يضعها حيث يشاء.
والله أعلم.