الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن باب التوبة مفتوح بفضل الله لكل إنسان مهما بلغت ذنوبه، ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو ينزل الموت بالمذنب ويتيقنه.
فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}
فهذا إخبار من الله بسعة عفوه وكرمه، ونهي عن اليأس من رحمة الله وتبشير بمغفرة الذنوب للتائب، وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. رواه مسلم.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. رواه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وحسنه الألباني .
وكيف تيأسين من رحمة الله وقبول توبتك، وقد وعد الله من عمل أكبر الكبائر كالشرك والقتل والزنا، بأن يبدل سيئاتهم حسنات إن هم تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات. قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا {الفرقان: 68، 69، 70، 71}.
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: من تاب إلى الله توبةً نصوحاً ، واجتمعت شروطُ التوبة في حقه، فإنَّه يُقطع بقبولِ الله توبته، كما يُقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاماً صحيحاً، وهذا قولُ الجمهور، وكلامُ ابن عبدِ البرِّ يدلُّ على أنَّه إجماع.
فلا تيأسي من رب غفور رحيم، قال في كتابه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً {النساء:110}
وأنت قد ندمت على ذلك، والندم هو الركن الأعظم للتوبة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : النَّدَمُ تَوْبَةٌ. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني.
والواجب عليك لتصح توبتك أمور وهي: الإخلاص فتقصدي بتوبتك وجه الله، وأن تتركي الذنب، وأن تندمي على ما فعلت ، وأن تعزمي على عدم الرجوع إليه. وإذا كان الذنب فيه حق لأحد من العباد كالغيبة فيجب على التائب أن يتحلل من صاحب الحق، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْه. رواه البخاري.
ووجوب التحلل هذا مشروط بما إذا لم يؤد إلى مفسدة عظمى كالمهاجرة والشقاق، وفي حالتك إذا خفت من وقوع مفسدة بينك وبين أهل زوجك إذا طلبت منهم المسامحة وكانوا لا يعلمون بغيبتك لهم، فلا تخبريهم بذلك ولكن تلطفي معهم وحاولي أن تستسمحيهم مسامحة عامة.
ويمكنك مطالعة شروط التوبة المقبولة في الفتوى: 5450، وبيان أنها حماية من القنوط في الفتوى: 2969 ، كما يمكنك الاستزادة حول تحلل المرء من الذين اغتابهم وأقوال العلماء في ذلك في الفتوى رقم: 66515.
وما ذكرناه من التوبة بشروطها هو الحل للتخلص من تبعات الغيبة، وليس من شروط توبتك التصدق عنهم، ولكن أكثري أنت من فعل الحسنات فإن الله يقول: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود: 114}
والله أعلم.