الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما السؤال الأول، فينبغي في جوابه التفريق بين الأماكن المختصة أو المنشأة في الأصل للمعاصي والمنكرات، كحانات الخمر، ومحلات الميسر والقمار، وأماكن الفواحش، فالأصل في مثل هذا الحرمة؛ فلا يجوز التوصيل إليها. بخلاف الأماكن التي لا تختص بالمعاصي ولا تقوم عليها في الأساس، كالنوادي والمطاعم والأسواق والمجمعات التجارية، فهذه الأصل فيها الحل، فيجوز توصيل الناس إليها، إلا من يعلم منه خصوصا أنه ذاهب إليها لغرض محرم، فلا يعان على ذلك بإيصاله إليها. وانظر للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 343636، 358408، 224032. وراجع في بيان حكم المال المكتسب من هذا العمل الفتوى رقم: 235618.
وأما السؤال الثاني فجوابه أن النظر في وجوه الناس للتعرف على المرأة التي طلبت السيارة، جائز بقدر الحاجة، إذا لم يكن فيه فتنة، كحال التعامل مع النساء عموما، فإنه يجوز النظر إلى الوجه والكفين إذا احتاج المتعامل معهن إلى ذلك، قال المرداوي في الفروع: وللشاهد نظر وجه المشهود عليها، وكذا لمن يعاملها. ونصه: وكفيها. وفي مختصر ابن رزين أنهما ينظران ما يظهر غالبا، ونقل حرب ومحمد بن أبي حرب في البائع ينظر كفيها ووجهها: إن كانت عجوزا رجوت، وإن كانت شابة تشتهى أكره ذلك. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى رقم: 345001.
وأما السؤال الثالث، فجوابه مبني في الأصل على معنى الخلوة المنهي عنها شرعا. وضابطها عند كثير من الفقهاء: أنها اجتماع لا تؤمن معه الريبة عادة! وهذا متحقق غالبا في انفراد السائق بامرأة وحدها في السيارة. وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الخلوة هي فقط أن يخلو الرجل بامرأة في بيت ما، بعيدا عن أعين الناس، أو هي كل خلوة رجل بامرأة ولو كان أمام أعين الناس؟ فأجابت: ليس المراد بالخلوة المحرمة شرعا انفراد الرجل بامرأة أجنبية منه في بيت بعيدا عن أعين الناس فقط، بل تشمل انفراده بها في مكان تناجيه ويناجيها، وتدور بينهما الأحاديث، ولو على مرأى من الناس دون سماع حديثهما، سواء كان ذلك في فضاء أم سيارة أو سطح بيت أو نحو ذلك؛ لأن الخلوة منعت لكونها بريد الزنا وذريعة إليه، فكل ما وجد فيه هذا المعنى ولو بأخذ وعد بالتنفيذ بعد فهو في حكم الخلوة الحسية بعيدا عن أعين الناس. اهـ. ولذلك سبق لنا النص على حرمة الخلوة بالمرأة الأجنبية في السيارة، في كثير من الفتاوى ، منها الفتويان التاليتان: 54972، 112331.
ولذلك فإنا نوصي السائل بأن يكون الأصل عنده هو الامتناع عن إركاب امرأة واحدة يخلو بها في سيارته. فإن تحقق من وجود ضرر عليه في بعض الأحيان بسبب هذا الامتناع، فيمكن أن يرخص له في ذلك بالقدر الذي يمنع هذا الضرر أو يرفعه، وذلك إذا أمن على نفسه الفتنة، وتوفرت أسباب السلامة له وللراكبة، وراجع في ذلك الفتويين: 274744، 19305.
وجواب السؤال الرابع على مثل هذا النحو، فالأصل هو حرمة التعامل مع البنوك الربوية، فإذا احتاج المرء لذلك ولم يجد عنه بديلا، فنرجو ألا يكون عليه إثم ما دامت معاملته في ذاتها ليست محرمة، بشرط أن يقتصر على محل الحاجة وقدرها، فيستخدم التَّطبيق الخاصة بالشركة وماكينات الصرَّاف الآلي التَّابعة لهذا البنك الرِّبويّ، ولا يترك ماله في البنك بل يبادر لسحبه، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 164633، 330004، 270280.
وأما النصيحة، فإنا نوصيك بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وأن تبذل ما في وسعك لتجنب المحرمات، وتعلم أن دين الله يسر، فمهما ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير، فإذا لم تجد عملا غير هذا وافترضنا أنه لا يخلو من بعض المنهيات، فاتق الله ما استطعت، وابحث عن عمل آخر، فإن وجدته فاترك هذا العمل، وإلا فلا حرج عليك في البقاء فيه ما دمت مضطرا إليه، وانظر الفتوى رقم: 9149.
والله أعلم.