الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن حفظ القرآن كاملا فرض كفاية، فإن وجد بين المسلمين من يكفي من حفظة القرآن سقط الإثم عن الباقين وإن لم يوجد ذلك أثم الجميع.
وقد نص الفقهاء على أن ما يتعين حفظه من القرآن الكريم على كل مسلم هو الفاتحة، وقد بينا ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32515، 25499 فراجعها.
وهذا لا يعني التقليل من أهمية حفظ القرآن الكريم أو التهوين من شأنه، فقد وردت نصوص كثيرة في فضل حفظه كقوله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. أخرجه البخاري. وقوله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة.
وقوله صلى الله عليه وسلم : إن لله أهلين في الناس، قيل من هم يا رسول الله قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته. رواه ابن ماجه وأحمد وغيرهما.
قال في شرح سنن ابن ماجه. قال في النهاية: أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله والمختصون به اختصاص أهل الإنسان به. انتهى.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأ بها. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني.
قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: واعلم أن المراد بقوله: صاحب القرآن حافظه عن ظهر قلب على حد قوله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. أي أحفظهم. فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا، وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها، كما توهم بعضهم ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى وليس للدنيا والدرهم والدينار، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: أكثر منافقي أمتي قراؤها. انتهى.
وللمزيد من الفائدة حول فضل حفظ القرآن الكريم راجع الفتاوى التالية:10941، 13727، 19251.
وأما بخصوص كلامك مع زوجتك وتحذيرها فليس من الغيبة والنميمة المحرمين لأن العلماء قد نصوا على جواز ذلك إن كان بنية تحذير المسلمين من الشر ونصحهم، ومن باب أولى الزوجة بل إن تحذيرها واجب عليك لأن المسلم يجب عليه أن يحافظ على عرضه، لكن يجب عليك عدم التوسع في الكلام بما يزيد على النصح والتحذير. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 17373.
إلا أن الذي يجب عليك أن تنتبه له هو عدم بناء ذلك على الظنون والشكوك وأن اتهام المسلم بذلك دون تيقن من المحرمات لأن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ {الحجرات: 12} وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا. رواه البخاري ومسلم.
واستماعك لمن نقل لك هذا الخبر مبني على ما ذكرناه فإن كان مجرد ظنون وإشاعات فلا يجوز لكما التحدث في ذلك أو تناقله، أما متابعة الخبر للتأكد منه بعد سماعه فلا يجوز لنهي الله تعالى عن التجسس في الآية السابقة، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق بعد تحذيره من الظن: ولا تحسسوا ولا تجسسوا.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم قال بعض العلماء: التحسس بالحاء الاستماع لحديث القوم وبالجيم البحث عن العورات، وقيل بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور.
وقال ابن حجر في الفتح: قال الخطابي: معناه لا تبحثوا عن عيوب الناس ولا تتبعوها.
والأصل في المسلم البراءة فلا يجوز اتهامه دون بينة، وأما إذا كان ذلك معروفا عنه وهو مجاهر به فإن تحذير المسلمين منه لا يعد من الغيبة المحرمة كما مر.
ولمعرفة أحكام الغيبة بتفصيل أكثر راجع الفتوى رقم: 6710.
وننبه الأخ السائل إلى أن قوله: "إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا" آية وليس حديثا، وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ {الحجرات: 6}
والله أعلم.