الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 465 - 469 ] ( وفي العسل العشر إذا أخذ من أرض العشر ) وقال الشافعي رحمه الله : لا يجب ; لأنه متولد من الحيوان فأشبه الإبريسم ، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام " { في العسل العشر }" ولأن النحل يتناول من الأنوار والثمار وفيهما العشر ، فكذا فيما يتولد منهما ، بخلاف دود القز ; لأنه يتناول من الأوراق ولا عشر فيها ، ثم عند أبي حنيفة رحمه الله يجب فيه العشر قل أو كثر ; لأنه لا يعتبر النصاب . [ ص: 470 - 471 ] وعن أبي يوسف رحمه الله أنه يعتبر فيه خمسة أوسق كما هو أصله ، وعنه أنه لا شيء فيه حتى يبلغ عشر قرب ; لحديث بني سيارة " { أنهم كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك }" وعنه خمسة أمناء .

                                                                                                        وعن محمد رحمه الله خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا ; لأنه أقصى ما يقدر به ، كذا في قصب السكر ، وما يوجد في الجبال من العسل والثمار ففيه العشر .

                                                                                                        وعن أبي يوسف أنه لا يجب ; لانعدام السبب وهو الأرض النامية ، وجه الظاهر أن المقصود حاصل وهو الخارج .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الحادي والثلاثون : قال عليه السلام : { في العسل العشر } ، قلت : رواه بهذا اللفظ العقيلي في " كتاب الضعفاء " من طريق عبد الرزاق ، أخبرنا عبد الله بن محرر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام ، قال : { في العسل العشر }. انتهى . ولم أجده في " مصنف عبد الرزاق " بهذا اللفظ ، وإنما لفظه { أن النبي عليه السلام كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشر }. انتهى .

                                                                                                        وبهذا اللفظ رواه البيهقي من طريق عبد الرزاق . والحديث معلول بعبد الله بن محرر ، قال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : كان من خيار عباد الله ، إلا أنه كان يكذب ، ولا يعلم ، ويقلب الأخبار ، ولا يفهم . انتهى .

                                                                                                        ومعنى الحديث : روي من حديث ابن عمرو ومن حديث سعد بن أبي ذباب ، ومن حديث أبي سيارة المتعي . أما حديث ابن عمرو : فأخرجه أبو داود في " سننه " حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني أنا موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : { جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له ، وسأله أن يحمي واديا ، يقال له : سلبة ، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي ، فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك ، فكتب عمر : إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله ، فاحم له [ ص: 470 ] سلبة ، وإلا فإنما هو ذباب غيث ، يأكله من شاء }. انتهى . وكذلك رواه النسائي سواء ، ورواه ابن ماجه حدثنا محمد بن يحيى عن نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو { أن النبي عليه السلام أخذ من العسل العشر }. انتهى .

                                                                                                        وأما حديث سعد بن أبي ذباب : فرواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا صفوان بن عيسى ثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب الدوسي عن منير بن عبد الله عن أبيه عن { سعد بن أبي ذباب الدوسي ، قال : أتيت النبي عليه السلام ، فأسلمت ، وقلت : يا رسول الله اجعل لقومي ما أسلموا عليه ، ففعل ، واستعملني عليهم ، واستعملني أبو بكر بعد النبي عليه السلام ، واستعملني عمر بعد أبي بكر ، فلما قدم على قومه ، قال : يا قوم أدوا زكاة العسل ، فإنه لا خير في مال لا يؤدى زكاته ، قالوا : كم ترى ؟ ، قلت : العشر ، فأخذت منهم العشر ، فأتيت به عمر رضي الله عنه ، فباعه وجعله في صدقات المسلمين }. انتهى .

                                                                                                        ومن طريق ابن أبي شيبة ، رواه الطبراني في " معجمه " ، ورواه الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن أبيه عن سعد بن أبي ذباب ، فذكره ، ومن طريق الشافعي رضي الله عنه ، رواه البيهقي ، وقال : هكذا رواه الشافعي ، وتابعه محمد بن عباد عن أنس بن عياض به ، ورواه الصلت بن محمد عن أنس بن عياض ، فقال : عن الحارث بن أبي ذباب عن منير بن عبد الله عن أبيه عن سعد ، وكذلك رواه صفوان بن عيسى عن الحارث بن عبد الرحمن به انتهى .

                                                                                                        قال البخاري : وعبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذباب ، لم يصح حديثه .

                                                                                                        وقال علي بن المديني : منير هذا لا نعرفه إلا في هذا الحديث ، وسئل أبو حاتم عن عبد الله والد منير عن سعد بن أبي ذباب ، يصح حديثه ؟ قال : نعم ، قال البيهقي : قال الشافعي : وفي هذا ما يدل على أن النبي عليه السلام لم يأمره بأخذ الصدقة من العسل ، وأنه شيء رآه ، فتطوع له به أهله . انتهى .

                                                                                                        [ ص: 471 ] وأما حديث أبي سيارة : فأخرجه ابن ماجه في " سننه عن سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى { عن أبي سيارة المتعي ، قال : قلت : يا رسول الله إن لي نحلا ، قال : أد العشور ، قلت : يا رسول الله احمها لي فحماها لي }انتهى ورواه أحمد في " مسنده " ، والبيهقي في " سننه " وقال : هذا أصح ما روي في وجوب العشر فيه ، وهو منقطع ، قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال : حديث مرسل ، وسليمان بن موسى لم يدرك أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في زكاة العسل شيء يصح . انتهى : وهذا الذي نقله عن الترمذي ، وذكره في " علله الكبرى " ، وقال عبد الغني في " الكمال " : أبو سيارة المتعي القيسي ، قيل : اسمه عميرة بن الأعلم ، روى عن النبي عليه السلام حديثا في زكاة العسل ، وليس له سواه . انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " ، ومن طريقه الطبراني في " معجمه " ، ورواه أحمد ، وأبو داود الطيالسي ، وأبو يعلى الموصلي في " مسانيدهم " بنحوه .

                                                                                                        الحديث الثاني والثلاثون : قال المصنف رحمه الله : وعن أبي يوسف أنه لا شيء في العسل حتى يبلغ عشر قرب ، لحديث بني سيارة أنهم كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ، قلت : رواه الطبراني في " معجمه " حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن بني سيارة بطن من فهم كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، [ قال [ ص: 472 ] الدارقطني في كتاب " المؤتلف والمختلف " : صوابه بني شبابة بالشين المعجمة ، بعدها باء موحدة ، ثم ألف ، ثم باء أخرى قال : وهم بطن من فهم ، ذكره في " ترجمة شبابة وسيابة " ، وذكر هذا الحديث ، وقال هذا الجاهل : هكذا في غالب نسخ الهداية لحديث بني سيارة ، وهو غلط ، ويوجد في بعضها أبي سيارة ، وهو الصواب . انتهى .

                                                                                                        قلت : كيف يكون هذا صوابا مع قوله : كانوا يؤدون ، بل الصواب بني سيارة ] عن نحل كان لهم العشر ، من كل عشر قرب قربة ، وكان يحمي واديين لهم ، فلما كان عمر رضي الله عنه استعمل على ما هناك سفيان بن عبد الله الثقفي فأبوا أن يؤدوا إليه شيئا ، وقالوا : إنما كنا نؤديه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب سفيان إلى عمر ، فكتب إليه عمر : إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله عز وجل رزقا إلى من يشاء ، فإن أدوا إليك ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم لهم أوديتهم ، وإلا فخل بينه وبين الناس . فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمى لهم أوديتهم . انتهى .

                                                                                                        ويؤيد هذا ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " حدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ في زمانه من العسل من كل عشر قرب قربة من أوسطها }. انتهى .

                                                                                                        ومن أحاديث الباب ما أخرجه الترمذي عن صدقة بن عبد الله السمين عن موسى بن يسار عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { في العسل في كل عشرة أزق زق }. انتهى .

                                                                                                        وقال : في إسناده مقال ، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثير شيء انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بصدقة هذا ، وضعفه عن أحمد ، والنسائي ، وابن معين . ورواه البيهقي ، وقال : تفرد به صدقة بن عبد الله السمين ، وهو ضعيف ، ضعفه أحمد ، وابن معين ، وغيرهما . ورواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " ، وقال في صدقة : يروي الموضوعات عن الثقات . انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه الأوسط " ، ولفظه : وقال : { في العسل العشر ، في كل عشر قرب قربة ، وليس فيما دون ذلك شيء }انتهى .

                                                                                                        قال الطبراني : لا يروى هذا عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد ، [ ص: 473 ] انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية