الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 517 - 518 ] قال ( والصاع عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما اللهثمانية أرطال بالعراقي ، وقال أبو يوسف رحمه الله : خمسة أرطال وثلث رطل ) وهو قول الشافعي رحمه الله ، لقوله عليه الصلاة والسلام { صاعنا أصغر الصيعان } ، ولنا ما روي أنه عليه الصلاة والسلام { كان يتوضأ بالمد رطلين ، ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال }. [ ص: 519 - 520 ] وهكذا كان صاع عمر رضي الله عنه ، وهو أصغر من الهاشمي ، وكانوا يستعملون الهاشمي .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السادس : قال عليه السلام { صاعنا أصغر الصيعان } ، قلت : غريب ، روى ابن حبان في " صحيحه " في النوع التاسع والعشرين ، من القسم الرابع عن ابن خزيمة بسنده عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له : يا رسول الله ، صاعنا أصغر الصيعان ، ومدنا أكبر الأمداد ، فقال : اللهم بارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في قليلنا وكثيرنا ، واجعل لنا مع البركة بركتين }. انتهى . قال ابن حبان : وفي ترك المصطفى عليه السلام الإنكار عليهم ، حيث قالوا : صاعنا أصغر الصيعان ، بيان واضح أن صاع المدينة أصغر الصيعان ، ولم نجد بين أهل العلم إلى يومنا هذا خلافا في قدر الصاع ، إلا ما قاله الحجازيون ، والعراقيون ، فزعم الحجازيون أن الصاع خمسة أرطال وثلث ، وقال العراقيون : ثمانية أرطال ، فصح أن صاع النبي عليه السلام كان خمسة أرطال وثلثا إذ هو أصغر الصيعان ، وبطل قول من زعم : أن الصاع ثمانية أرطال من غير دليل ثبت على صحته . انتهى .

                                                                                                        وأخرج الدارقطني في " سننه " : عن عمران بن موسى الطائي ثنا إسماعيل بن سعيد الخراساني ثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، قال : قلت لمالك بن أنس : يا أبا عبد الله ، كم وزن صاع النبي عليه السلام ؟ قال : خمسة أرطال وثلث بالعراقي ، أنا حزرته ، قلت : يا أبا عبد الله خالفت شيخ القوم ، قال من هو ؟ قلت : أبو حنيفة رضي الله عنه ، يقول : ثمانية أرطال ، فغضب غضبا شديدا ، وقال : قاتله الله ، ما أجرأه على الله ، ثم قال لبعض جلسائه : يا فلان ، هات صاع جدك ، ويا فلان ، هات صاع عمك ، ويا فلان ، هات صاع جدتك ، فاجتمعت أصوع ، فقال مالك تحفظون في هذه ؟ فقال أحدهم : حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر : حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك أنا حزرت هذه ، فوجدتها خمسة أرطال وثلثا ، قلت يا أبا عبد الله أحدثك بأعجب من هذا عنه : أنه يزعم أن صدقة الفطر نصف صاع ، والصاع ثمانية أرطال ، فقال : هذه أعجب من الأولى ، بل صاع تام عن كل إنسان ، هكذا أدركنا علماءنا ببلدنا هذا . [ ص: 519 ] انتهى .

                                                                                                        قال صاحب " التنقيح " : إسناده مظلم ، وبعض رجاله غير مشهورين ، والمشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي ، وهو ثقة ، قال : قدم علينا أبو يوسف رحمه الله من الحج : فقال إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني ، ففحصت عنه ، فقدمت المدينة ، فسألت عن الصاع فقال : صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لهم : ما حجتكم في ذلك ؟ فقالوا : نأتيك بالحجة غدا ، فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار ، مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه ، كل رجل منهم يخبر عن أبيه ، وأهل بيته ، أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا هي سواء ، قال : فعيرته ، فإذا هو خمسة أرطال وثلث ، بنقصان يسير ، فرأيت أمرا قويا ، فتركت قول أبي حنيفة رضي الله عنه في الصاع ، وأخذت بقول أهل المدينة ، هذا هو المشهور من قول أبي يوسف رحمه الله ، وقد روي أن مالكا ناظره ، واستدل عليه الصيعان التي جاء بها أولئك الرهط ، فرجع أبو يوسف إلى قوله . وقال عثمان بن سعيد الدارمي : سمعت علي بن المديني يقول : عيرت صاع النبي عليه السلام ، فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالتمر . انتهى كلامه .

                                                                                                        وأخرج الحاكم في " المستدرك " عن هشام بن عروة عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها حدثته { أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة ، أو الصاع الذي يقتات به ، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم }. انتهى . وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، وهو الحجة لمناظرة مالك ، وأبي يوسف رحمهما الله تعالى . انتهى . واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " للشافعي ، وأحمد في أن الصاع خمسة أرطال وثلث ، بحديث كعب بن عجرة في الفدية أن النبي عليه السلام ، قال له : { صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين : لكل مسكين نصف صاع } ، رواه البخاري ، ومسلم ، وفي لفظ لهما : { فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقا بين ستة ، أو يهدي شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام } ، قال : فقوله : نصف صاع حجة لنا ، قال ثعلب : والفرق : اثنا عشر مدا ، وقال ابن قتيبة : الفرق : ستة عشر رطلا ، والصاع ثلث الفرق ، خمسة أرطال وثلث ، والمد : [ ص: 520 ] رطل وثلث انتهى .

                                                                                                        وأخرج الطحاوي عن أبي يوسف ، قال : قدمت المدينة ، فأخرج إلي من أثق به صاعا ، وقال : هذا صاع النبي عليه السلام ، فوجدته خمسة أرطال وثلثا ، قال الطحاوي : وسمعت ابن أبي عمران يقول : الذي أخرجه لأبي يوسف هو مالك ، وسمعت أبا حزم يذكر عن مالك ، قال : هو تحري عبد الملك بصاع عمر . انتهى .

                                                                                                        قوله : هكذا كان صاع عمر يعني ثمانية أرطال ، قلت : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه في كتاب الزكاة " حدثنا يحيى بن آدم ، قال : سمعت حسن بن صالح يقول : صاع عمر ثمانية أرطال ، وقال شريك : أكثر من سبعة أرطال ، وأقل من ثمانية . انتهى .

                                                                                                        حدثنا وكيع عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن موسى بن طلحة ، قال : الحجاجي صاع عمر بن الخطاب رضي الله عنه . انتهى .

                                                                                                        وهذا الثاني : أخرجه الطحاوي في " كتابه " ، ثم أخرج عن إبراهيم النخعي ، قال : عيرنا الصاع فوجدناه حجاجيا ، والحجاجي عندهم : ثمانية أرطال بالبغدادي ، وعنه قال : وضع الحجاج قفيزه على صاع عمر ، قال : فما ذكراه عيار حقيقي ، فهو أولى مما ذكره مالك ، من تحري عبد الملك بصاع عمر ; لأن التحري لا حقيقة معه . انتهى .

                                                                                                        الحديث السابع : روي { أن النبي عليه السلام كان يتوضأ بالمد : رطلين ، ويغسل بالصاع : ثمانية أرطال } ، قلت : روي من حديث أنس ، ومن حديث جابر . [ ص: 521 ] فحديث أنس : أخرجه الدارقطني في " سننه " من ثلاثة طرق : أحدها : في صدقة الفطر عن جعفر بن عون عن ابن أبي ليلى ، ذكره عن عبد الكريم عن أنس ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد : رطلين ، ويغتسل بالصاع : ثمانية أرطال ، }. انتهى .

                                                                                                        الطريق الثاني : رواه في " الطهارة " عن موسى بن نصر الحنفي ثنا عبدة بن سليمان عن إسماعيل بن أبي خالد عن جرير بن يزيد عن أنس ، نحوه ، قال الدارقطني : تفرد به موسى بن نصر ، وهو ضعيف الحديث . انتهى .

                                                                                                        الطريق الثالث : أخرجه في " الزكاة " عن صالح بن موسى الطلحي ثنا منصور بن المعتمر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : { جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل من الجنابة ، صاع من ثمانية أرطال ، وفي الوضوء رطلان } ، وقال : لم يروه عن منصور غير صالح ، وهو ضعيف الحديث انتهى .

                                                                                                        وضعف البيهقي هذه الأسانيد الثلاثة ، وقال : الصحيح عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد }. انتهى كلامه . وأما حديث جابر : فأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عمر بن موسى بن وجيه الوجيهي عن عمرو بن دينار عن جابر ، قال : { كان النبي عليه السلام يتوضأ بالمد : رطلين ، ويغتسل بالصاع : ثمانية أرطال }. انتهى .

                                                                                                        وضعف عمر بن موسى هذا ، البخاري ، والنسائي ، وابن معين ، ووافقهم ، وقال : إنه في عداد من يضع الحديث انتهى .

                                                                                                        وحديث : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع } ، أخرجه البخاري ، ومسلم عن أنس ، وأخرجه مسلم عن سفينة . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري في " صحيحه " عن السائب بن يزيد ، قال : { كان [ ص: 522 ] الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم ، فزيد فيه ، في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال في باب الصدقة " حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن إبراهيم ، قال : { كان صاع النبي عليه السلام ثمانية أرطال ، ومده رطلين }. انتهى .

                                                                                                        والحديث في " الصحيحين " عن أنس : ليس فيه الوزن ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع } ، وأخرجه مسلم عن سفينة ، قال : { كان النبي عليه السلام يغتسل بالصاع من الماء من الجنابة ، ويتوضأ بالمد }. انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية