- اسم الكاتب:مجلة الأسرة
- التصنيف:الأسرة اليوم
هنا في الولايات المتنحدة وجدت نفسي أكثر صلة بالله عز وجل (والحمد لله على هذا وثبتني الله وإياكم ) لأسباب منها ؛ شعور الإنسان بالغربة ، ويقينه ألا ملجأ له إلا الله في وسط النصارى واليهود ، وخوفه على أولاده من الضياع ، ومن ثم حرصه على أن يقدم لهم نموذجا يحتذى به .
ومع ذلك فإن الألم يكاد يفتتني على إخوان لي أراهم بعيني وقد خسروا أنفسهم وأبناءهم في هذه البلاد .
إذا كان المسلمون في القوقاز والبلقان وغيرها قد تعرضوا للقتل وللوحشية حتى يتركوا دينهم ، فإن المسلمين في الولايات المتحدة قد هاجروا غالبا بحثا عن الحرية ، واختاروا الإقامة هنا ولهم حرية ممارسة دينهم ، فما هي حجتهم أمام الله ، وقد ضيعوا دينهم وهجروا تعاليمه ، بل خالفوها ودخلوا جحر الضب ، تقليدا لليهود والنصارى .
في الحي الذي أقطن فيه في مدينة ولمنتون بولاية نورث كارولينا ، وفي غيره من الأحياء في هذه المدينة ، يجري ما يحز في النفس ويجعلها تتفطر حزنا وأسى .
فهذه مسلمة تقضي نهارا كاملا فيما يسمى (المول) وهو (سوق تجاري كبير يضم عددا من المحلات الكبيرة) ، وتترك أحد أبنائها غارقا في السكر وممارسة الزنا وتعاطي المخدرات ، عافانا الله وإياكم ، وحمى أبناء المسلمين جميعا من هذه الفتن .
تحدثت إليها ونصحتها فقالت : ماذا عسانا أن نفعل ؟ أنت ترين مدى حرصي على البنات ومدى خوفي عليهن؟ ولكن ماذا عن هؤلاء الرجال كيف سيقضون شهوتهم ؟
هذه المرأة تقية ، ولكن كيف لها أن تغير ما يحدث . إنها تقف عاجزة تماما ، ومثلها الكثير من الأمهات ، والنتجية : ضياع أجيال من المسلمين في هذه البلاد ، لا يصلون ولا يعرفون تعاليم دينهم ، وأغلبهم يبيع لحم الخنزير والخمر ، وبعضهم يتعاطى الخمر والمخدرات ، وعدد قليل منهم ضالع في قضايا المافيا ورجال العصابات ، وليس الآباء بأحسن حالا ؛ ففي الحي الذي أقطن فيه توفي أحد أبناء عائلة عربية مسلمة ، فأصرت والدته على دفنه بالبدلة كما يزف العريس إلى عروسه ، وأن يحاط بأكاليل الزهور ، وما عرفوا كيف يغسل حتى استقدموا شيخا من رالي عاصمة الولاية ، مسيرة ساعتين عن مدينتنا بالسيارة ليتولى تغسيله ، والطامة الكبرى أن ابنهم كان قد أمن على حياته ، ولما كانت القوانين لا تمنح مبلغ التأمين لوالديه إن كان متزوجا ، فقد تنازع والداه مع فتاة لا يعرف أهي زوجته أم خليلته ؟ . المسلم الصادق يتمنى من كل قلبه لهذا الإنسان ألا تكون هذه المرأة صديقته ليخفف الله عنه العذاب عن عمره الذي أضاعه باللهو - غفر الله لنا وله -0 ولكن أقاربه تمنوا ألا تكون زوجته ، لأن مبلغ التأمين سيؤول إليها وحدها إن كانت زوجته ، كما ينص على هذا قوانين التأمين !
القضية الخطيرة جدا هي قضية الأجيال المسلمة والشباب الذين غدوا كغثاء السيل ، يضعون الحلق في منخرهم أو في ألسنتهم ، يقصون شعورهم كما يفعل اليهود والنصارى .
أحيانا أفكر في بعض الحلول ، ولكن أكتشف أن الأمر أكبر من جهد وتفكير فردي ، فهلا ساعدتموني بأفكاركهم النيرة ؟ فقد تساهم في حل المشكلة . تعليم اللغة العربية للطلاب العرب والمسلمين كلغة ثانية في المدارس الأمريكية ، كما يفعل أبناء أمريكا الجنوبية ، إذ يتم تعليمهم اللغة الأسبانية كلغة ثانية .
وبقدر أهمية هذه الخطوة بقدر صعوبتها في ظل تبعثر العرب والمسلمين في مناطق متباعدة ، فالتجمع السكاني مهم جدا لفرض هذا الطلب على المسؤولين ، وهذا ما يجب أن يضعه المسلمون هنا في بالهم ، وهو تكوين جاليات في المدن على نحو ما تم في مدينة أناربور في ولاية ميشيغان .
وهناك حل عملي آخر ، وهو قيام القادمين الجدد من الدول العربية إلى المهجر بتعليم الأبناء المقيمين هنا منذ فترة طويلة ، ممن لا يعرفون اللغة العربية في يومي السبت والأحد ، هذه الفكرة طبقت في أماكن ونجحت .
وأضف إلى ذلك الحرص على أن يزور الأبناء أوطانهم الأم أو أيا من البلاد العربية أو الإسلامية ، وأفضلها على الإطلاق زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة ، ليبقى الأبناء على صلة بالدين ولا يعيشوا تائهين هنا ، مع تعليم الأبناء منذ الصغر اللغة العربية وتحفيظهم سور القرآن الكريم قبل أن يتمكنوا من اللغة الإنجليزية وتضيع عربيتهم ، وقبل ذلك تعليمهم الانتماء والاعتزاز بالإسلام ، فكثير من الطلاب العرب والمسلمين يخجلون من أسمائهم فيغيروها حتى أصبح أحمد (آدم) ، ومحمد (ميكي) ، وعائشة (إليسا) ... وهلم جرا.
إن الدعاة غالبا ما يتجهون إلى المدن الكبرى ، مثل : شيكاغو ، لوس أنجلوس ، نيويروك ، وتبقى المدن الصغرى على حالها . لا تقل لي من أراد الدين سار إليه ، فهؤلاء المهاجرون ليسوا بإيمان العلماء الذين يرتحلون من مكان لآخر طلبا للعلم ، بل يريدون من يحثهم ويحضهم ليفيقوا من سباتهم .
ولا يمكن أن ننكر أهمية الإذاعة والتلفاز ، فإذا كانت القناة العربية الوحيدة التي تبث من واشنطن العاصمة ، تبث أفلاما أخجل من أن تراها ابنتي ، وتعرض الأنشطة الخليعة التي يقوم بها بعض أبناء الجالية العربية ، وتنسى أو تتناسى الجهود الخيرة المشكورة التي يقوم بها الآخرون ، فإننا لن نستطيع أن نمضي قدما في الوعي الإعلامي ، فنحن نريد قناة فضائية تبث لأطفالنا أفلاما عن بطولات أجدادهم ، نريد من يعلمهم اللغة العربية عن طريق التلفاز ، نريد منهم عرض الجهود البشرية الخيرة .