- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:ثقافة و فكر
ما مر من قديم الزمان ، ملك كملك سليمان ، فقد علم منطق الطير بلا ترجمان ، وقد اجتمعت في غيبته الحيوانات والطيور ، في يوم فرح وسرور ، وهناء وحبور:
فقالت البهائم للأسد: أيها الأمير ، اجلس على السرير ، فإنك أبونا الكبير ، فتربع جالسا ، ثم سكت عابسا ، فخاف الجميع ، وأصبحوا في موقف فظيع.
فقام الحمار ، أبو المغوار ، فقال : يا حيدرة ، سكوتك ما أنكره.
فقال الأسد : يا حمار البلد ، يا رمز الجلد ، سكت لأن الثعلب غاب ، وقسما لو حضر لأغرزن في رأسه الناب
فقام الذيب يتكلم وهو خطيب مصيب ، فقال للأسد : يا أبا أسامة ، إن الثعلب قليل الكرامة ، عديم الشهامة ، فليتك تورده الندامة ، فهو لا يستحق السلامة.
وكان أحد التيوس مع الجلوس ، فانسل إلى الثعلب فوجده يلعب فقال : انتبه أيها الصديق، فالكمين في الطريق، إن الأسد يتوعدك بالذبح ، فاجتهد معه في الصلح.
فقال الثعلب : فمن الذي دهاني عنده ، وغير علي وده.
قال التيس : هو عدوك وعدوي ، الذي في واد يدوي ، هو الذيب الغادر ، صاحب الخيانة الفاجر.
قال الثعلب : أنا الداهية الدهياء ، لأنثرن لحمه في العراء ، أما سمعت الشاعر أحمد ، إذ يقول في شعر مسدد : الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
فلما حضر الثعلب إلى الأسد ، ودخل مجلسه وقعد ،
قال أبو أسامة، والثعلب أمامه : ما لك تأخرت يا بليد ، تالله إن الموت أقرب إليك من حبل الوريد .
قال الثعلب : مهلا أبا أسامة ، أبقاك الله للزعامة ، سمعت أنك مريض ، فذهبت إلى البلد العريض ، ألتمس لك دواء ، جعله الله لك شفاء ، قال : أحسنت ، وسهلت علي الأمر وهونت ، فماذا وجدت ، قال : وجدت أن علاجك في كبد الذيب مع حفنة من زبيب. فقال الأسد للذيب: أمرك عجيب ، وشأنك غريب ، علاجي لديك ، وقد سبق أن شكوت عليك ، فلما دنا الذيب واقترب ، سحبه الأسد فانسحب ، فخلع رأسه ، وقطع أنفاسه ، ثم سلخ لبده ، وأخرج كبده .
فصاح الغراب ، وهو فوق بعض الأخشاب ، يا أبا أسامة ، ما تترك الظلم والغشامة .
فرد عليه الأسد: اسكت سد الله فاك ، أنسيت أنك قتلت أخاك ، ودفنته في تراب ، ما أقبحك من غراب .
قال الغراب : يا ظلوم يا غشوم يا مشؤوم . أنا الذي دل على بلقيس يا خسيس ، وجيت سليمان ملك الإنس والجان ، بنبأ من سبأ ، وحملت الرسالة في بسالة ، ودعوت للتوحيد ، وهو حق الله على العبيد ، فبلقيس أسلمت بسببي ، وحسبي معروف ونسبي.
فأعرض أبو أسامة ، وقطع كلامه ، وإذا بحية لها فحيح ، أقبلت تصيح ، قد ذبل شعر رأسها وشاب ، وما بقي لها إلا ناب ، فقال الأسد : من بالباب .
قالت الحية : أنا أم الجلباب ، فقال : ما اسمك يا حية ، وما معك من قضية ، قالت : اسمي لس ، وخبري على ظاهر فقس ، أنا كنت اسكن ، في قرية من قرى فلسطين ، رأسي في الماء ، وذنبي في الطين ، فعصى أهل القرية خالقهم ، وكفروا رازقهم ، فساقني إليهم ، وسلطني عليهم ، فقذفت في بيرهم من سمي زعافا ، فماتوا آلافا ، وهلكوا أصنافا ، وردم الله عليهم القرية ، لأنهم أهل فرية .
فلما ملك سليمان ، اختفت القرية عن العيان ، فأراد أن يرى القرية رأي العين ، فاستدعى الرياح في ذلك الحين ، فقال للريح الشمالية ، هبي قوية ، وأخرجي لنا تلك البئر المطوية ، والقرية المنسية ، قالت : يا نبي الله أنا أضعف من ذلك بكثير ، أنا خلقني ربي لتلقيح الثمار ، بقدرة القدير ، فقال للغربية : أنت لازلت فتية ، فهبي على هذه الدار ، لنرى ما تحتها من الآثار ، قالت : يا نبي الله ، أنا خلقني ربي لتلطيف الهواء ، وتبريد الماء ، ولكن عليك بالدبور ، فإنها التي أهلكت كل كفور .
فقال سليمان : أيها الدبور ، بأسك مشهور ، وبطشك مذكور ، فأخرجي لنا القرية المنكوبة ، لنرى كل أعجوبة ، فهبت ولها هرير ، وزلزلة وصرير ، فاقتلعت التراب والحجر، ونسفت الشجر ، حتى خرجت القرية واضحة المعالم ، كل شيء فيها قائم ، فوجد الحية في البئر ، بناب واحد صغير ، فسمى القرية باسم البئر وناب الحية ، فصار اسمها نابلس كما في السيرة المروية .
فقال الأسد للحمامة ، يا أم يمامة ، حدثينا عن ملك سليمان ، فلن يملك أحد مثله إلى يوم القيامة .
قالت الحمامة : حبا وكرامة ، يا أيها الهزبر ، ليس الخبر كالـخبر ، اعلم أنه ما أصبح يفرح بالملك بعد سليمان ، لما أعطاه الله من الملك والسلطان ، ملك الإنس والجان والطير والحيوان ، وكلم الوحوش بلا ترجمان ، بنيت له القصور من القوارير ، ونحتت له من الجبال المقاصير ، وخزنت له في البحر القناطير ، وسخر الله له الرياح ، تحمله كل صباح ، فملكه فوق ما يصفه الواصفون ، ولا يعلم ذلك إلا العارفون
ثم مرت النملة تقفز قفزا ، وتهمز همزا ، وهي تقول : أما علمتم بخبري المنقول ، أنا التي كلمها سليمان ، وأعطاها الأمان ، وسجلت قصتي في القرآن ، أما قلت للنمل ، ادخلوا مساكنكم ، واحفظوا أماكنكم
ثم مر الكلب، رمز السلب والنهب ، قال : يا جماعة ، اسمعوا مني ساعة ، فأنا مقصود بالمدح والهجاء ، وما زالت الأشراف تهجو وتمدح كما ذكر صاحب الإنشاء ، فأنا أصيد الصيد ، وأقيده بقيد ، وحفظي للبيت سديد ، وبأسي لصاحبي شديد ، لكنني دائما بخس محدث ، كما ورد إن تحمل عليه يلهث ، فلي إصابات وغلطات ، والحسنات يذهبن السيئات ، فلا تظنوا أني آية في الخساسة ، ومضرب المثل في النجاسة ، بل انجس مني ، وهذه فائدة خذها عني ، من ترك العمل ، بلا علم ، وأعرض عن التقوى بعد الفهم ، وأسرف في الظلم . ثم انفض المجلس وقد امتلأت بالأنس الأنفس .
واعلم أيها الملهم أن سليمان أعظم من ملك من بني الإنسان ، وأقصر رسالة في الحديث والقديم : إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم .
ـــــــــــ
المصدر/مقامات القرني (بتصرف)