
الوقت هو أحد أهم عناصر الحياة، فهو المورد الذي لا يمكن تعويضه، ولقد حثت الثقافات المختلفة على أهمية استثمار الوقت بشكل صحيح، بل إن الإسلام أولى الوقت أهمية كبيرة إذ اعتبر الوقت نعمة من نعم الله، ويجب على الإنسان أن يستغله بشكل يجلب له الخير والفائدة.
بركة الوقت وأهمية استثماره:
البركة في الوقت تعني أن يحقق الإنسان في فترة زمنية قصيرة ما لا يحققه غيره في فترات أطول، ولا يخفى عليك أن الله تبارك وتعالى أقسم بالوقت في القرآن، وتلك إشارة ولا ريب من إشارات عديدة تدل على أهمية الوقت واستغلاله:{ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
هذا يعني أن الوقت عنصر محوري في حياة الإنسان، وأن عدم استغلاله بشكل جيد، يعود على الإنسان بالخسارات الكبيرة، فمن عاش حياته ولم يستثمرها، كانت خسارته أعظم خسارة.
ولقد حث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على استثمار الوقت، فقال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)(رواه البخاري)، وهذا يعني أن الكثير من الناس لا يدركون قيمة الوقت الذي يملكونه، ويضيعونه في أمور لا تنفعهم.
كيفية تحقيق البركة في الوقت:
مسئولية كل فرد عاقل أن يدرك أهمية الوقت، وأنه رأس ماله الحقيقي، يقول ابن الجوزي: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل".
هذه الكلمات إن وعاها الإنسان وضع لنفسه خطة وخارطة طريق لإدارة وقته، وبناء على هذه الخطة يسير، وقد حدد أهدافه بدقة، سواء كانت قصيرة، أو طويلة الأمد، يساعده ذلك على توجيه جهوده واستثمار وقته في الأمور المهمة.
وهكذا تكون لك إدارة ذاتية لوقتك فتضع جدولاً زمنياً تحدد فيه أولويات المهام التي يجب إنجازها، وتوظف الوقت على الوظائف اليومية، بحيث يكون لكل وظيفة زمن معين حسب الأولوية.
ويكون تركيزك منصباً على الأعمال المهمة وتجنب الملهيات فتحقق قيمة حقيقية في حياتك، وتحذر من التسويف المؤدي إلى ضياع الوقت والفرص، وهذا يعني أنك تتخذ خطوات فعلية لتحقيق أهدافك ولا تنتظر الوقت المناسب كما هو شائع في ثقافتنا اليوم.
ولعلك تدرك أن من أسباب البركة في الوقت: المواظبة على طاعة الله تعالى، فإنها الجالبة لكل خير، الدافعة لكل شر، والاجتهاد في الدعاء بأن يبارك الله لك في الأوقات، والحرص على عدم إضاعة الوقت فيما لا ينفع، والتقلل من فضول المخالطة، والمنام، ونحو ذلك.
احذر إدمان الهاتف
وستجد ولا شك عقبات كبيرة أمام استغلال الوقت، ومن هذه العقبات التعقيدات المعاصرة التي جعلت الإنسان يدور في حلقة هو ترس فيها، يُحرك حسب مجريات الأحداث، وقد يكون دوره مكملاً، وليس دوراً أصيلاً وهذا مكن الخطر، يقول الأستاذ/ محمد موسى كمارا "..... هذه الآلة العجماء التي لا تسمع ولا تبصر، والتي ندخر أموالنا لنشتري أغلى أنواعها الجديدة في السوق، وهي هذا (الهاتف) الذي فتحنا فيه مدافع كثيرة تدك جدار الوقت دكاً دكاً، برسائلها، ومنشوراتها، وشجونها التي لا نهاية لها، بل صار أكثر الناس منكوبين بالإدمان عليها، ولا أظن إنسان هذا الزمان يفلح ما لم يكن متصرفاً في نفسه، وعقله، بالقدرة على الاستغناء عن الهاتف في أي وقت أراد، وبالقدرة على ترتيب الوقت في الرد على الرسائل؛ ويجب على المرسل، وعلى المرسل إليه، أن يعرفا قيمة الوقت، ويقدرا ظروف الناس، فلا تشتت تركيزك بالرد على رسالة تدرك من مأتاها أنها ليست ضرورية، ولا تغضب أيضاً أيها المرسل، إذا تأخر من راسلته عن الرد عليك، فتتهمه بالكبر والصلف؛ لأنك لا تعرف الظروف التي تلقى فيها رسالتك، وقد يكون عاملاً مشغولاً، أو نائماً غافلاً.
والبلية الأخرى، التي تضيع الوقت بلا محصول من فائدة، هي هذه الأخبار التي تجوب العالم في كل ثانية من ثواني الزمن، فإذا لم تكن صحفياً مهنته تقصي الأخبار واستقراء الأنباء؛ لنيل رزقه في الحياة، ولم تكن سياسياً يجب عليه معرفة سير العالم؛ كي يتوقى ويقرر ويحذر، فالخير لك هو أن تهتم بكتبك ودفاترك، ولا تتابع الأخبار إلا في وقت معين لا تتجاوزه، تبدأ فيه بالتعرف على أخبار بلدك قبل جميع البلاد، ثم إذا بقيت منه فسحة تخولك المتابعة لسائر أخبار العالم، فتابعها في تلك الفسحة الباقية، ثم انصرف غير لاو على شيء من حديث النفس بالبقاء والزيادة في البحث".
إن الوعي بأهمية الوقت لا يقتصر فقط على الأبعاد الفردية، بل يتجاوزه إلى الأبعاد الاجتماعية والثقافية، إذ يجب على المجتمعات أن تزرع في أجيالها أهمية الوقت واستغلاله بطرق صحيحة، من خلال التعليم والبرامج الثقافية التي تعزز هذه المفاهيم.
إن بركة الوقت تحتاج إلى تفكير وتأمل، فكل لحظة تمر هي فرصة يجب استغلالها، يجب علينا جميعًا أن نعي أهمية الوقت ونسعى لتحقيق النجاح في حياتنا من خلال استثماره بشكل صحيح. إن الله قد منحنا هذه النعمة، وعلينا أن نكون جديرين بها، لنحقق ما نطمح إليه في الدنيا والآخرة، فليكن شعارنا: "استغل وقتك، واصنع مستقبلك".