- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:الأسرة اليوم
كم من أسرة فقدت توازنها، واحترقت بنيران الغلاء! وكم من رجل ضاقت به الدنيا تحت وطأة العوز والعجز عن تلبية احتياجات أسرته، فقرر الفرار، وكم من فتى وفتاة عجزا أن يحصنا نفسيهما، ويفتحا بيتا صالحا آمنا؛ بسبب غلاء المهور وتكاليف الزواج.
وكم من أم قهرها الغلاء، وأعجزها عن تلبية أبسط مطالب أبنائها، أو إدخال السرور على قلوبهم الغضة!
كم.. وكم.. وكم من أفراد وأسر بسيطة ومتوسطة وضعها الغلاء في دوامة لا تجد للخروج منها سبيلا، فكيف أثر الغلاء على نسيج الأسرة واستقرارها؟ وهل من سبيل لتجاوز أزمة ارتفاع الأسعار بما يحفظ صورة الأسرة وتماسكها؟
اقرأ هذه السطور لتعرف الإجابة...
الغلاء أثر على حياتي
منال عمر.. ربة بيت: الغلاء أثر على حياتي كلها، فلم يعد المصروف الذي يعطيه لي زوجي يفي بأبسط احتياجات البيت و الأولاد من ملابس ومصروفات مدارس، وعندما أطلب منه المزيد يقول من أين؟
وهذا يسبب لي ضيقا نفسيا، ويخلق نوعا من الفتور في علاقتي بزوجي نتيجة إحساسي الداخلي، بأنه لا يرى الواقع، ولا ينزل السوق، ولا يعرف الأسعار.
ولكن هذا الشعور يخف ويقل عندي عندما أرى أختي تفرض طلباتها على زوجها، وتلزمه بتوفير المال اللازم لتغطية هذه الطلبات، مما يضطره أحيانا إلى تقديم طلب قرض أو يستدين؛ ليفي بما تحتاجه، لكنه في قرارة نفسه يرى أنها أنانية ومتسلطة، ولا تفكر إلا في نفسها، ولا تقدر ظروفه والضغوط المفروضة عليه، وهذا يفتح الباب للخلافات المتكررة والشكاوى الدائمة أمام الأهل.
زوجي لا يبالي
ماجدة عثمان.. أم لأربعة أبناء: زوجي حرفي لا يستقر في عمل، وعندنا أربعة أبناء، منهم بنتان في سن الزواج، وهذا يصيبني بالقلق والتوتر؛ لأنني أرى أن زوجي لا يبالي بالتزامات البيت، ولا يقدم أية تنازلات لصاحب العمل، ولذلك فأنا دائما مهمومة بتدبير نفقات البيت، وتجهيز البنتين، ومصروفات الولدين في المدرسة.
ودائما نتشاجر، ومشاكلنا تتسع، ويتدخل فيها الأهل و الجيران، وأحيانا تتدخل أمي بالحل من خلال تغطية تقصير زوجي بما يفيض معها، فمتى يفيق، ويعيش ظروفنا.
أم أحمد - بكالوريوس تجارة:
برغم أن زوجي طبيب، إلا أن حمى الغلاء طالتنا نحن أيضا، فبعد أن كنت أذهب لشراء احتياجات البيت كل شهر، فإنني في ظل هذا الغلاء الذي طال القوت الضروري والاحتياجات الضرورية للأسرة صرت أذهب إلى السوبر ماركت وأقف حائرة، ماذا أشتري، وبكم؟ وبعد هذه الحيرة أغير أولوياتي، وأستغني عن أشياء كثيرة كنت قد اعتدت على شرائها كل شهر، ومن ثم أطالب زوجي بزيادة المصروف، وأحيانا يستجيب وأحيانا يجيب بأنه لا فائض لديه، وعليك أن تدبري أمورك بنفسك في حدود المبلغ الموجود، فهذا يهيج أعصابي، ويصيبني بالثورة والانفعال لأبسط الأسباب، فيشحن جو البيت بالتوتر الذي يظهر في علاقتي بزوجي، وبأولادي كلما طلبوا أي شيء (أفتح لهم تحقيقا) لماذا؟ وبكم؟ وهل هذا الشيء ضروري، أم يمكن الاستغناء عنه بفرض التوفير.
ميادة. ع - موظفة:
برغم أن الغلاء أصبح شبحا يهدد كل بيت، ويلتهم أية ميزانية، فإنني أدير بيتي بحكمة أبي وأمي اللذين ربياني على القناعة والرضا بالقليل، والشكر لله على كل حال، فكلما ضاقت بي الظروف وكاد الشيطان يفسد علاقتي بزوجي، تحت وطأة الغلاء، تذكرت نصيحة أبي وأمي (على قد لحافك مد رجليك)، فأعود إلى حالة الرضا، والتدبير حسب المتاح من الدخل، فأتغلب على الشيطان حين يقول لسان حالي: لست وحدي في هذه الورطة، فأحمد الله على كل حال.
نجوى عبد الحميد - ربة بيت: (ماذا أفعل) في هذه الظروف، وأنا أم لثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، وزوجي موظف بسيط، ليس له دخل سوى وظيفته.
ومصاريف المدارس والدروس تشتت تفكيري كل شهر، وتوقعني في (حيص بيص)، كيف أدبر نفسي وأضطر أحيانا إلى التوسل إلى المدرسين؛ لتخفيض سعر الحصة، أو تقسيط المبلغ للأولاد حتى أتمكن من الوفاء به، وهذا يكسر قلبي، وكلما شكوت لزوجي ما أنا فيه، وأن المصروف لا يكفي - يخبط كفا بكف، ويقول: ما باليد حيلة، فأكتم غيظي، وأسكت وأقول: ربنا يدبرها.
أمل عبده - مدرسة:
زوجي حصل على معاش مبكر بسبب ظروفه الصحية، وهذا أثر على قيمة المعاش، فكان يكفي بالكاد ضروريات البيت، لكنه لم يكن يعطيني مالا لشراء ملابس لي، أو تجديد أثاث البيت، أو صيانة التالف منه، فأحس أنني أقل من بقية أخواتي، وهذا يشعرني بالحرج، وفي نفس الوقت أحيانا يدخل الشيطان في علاقتي بزوجي لأتمرد عليه؛ لأنه لا يغطي احتياجات البيت بسبب الغلاء وقلة المعاش، لكنني سرعان ما أعود إلى رشدي، وأقول لنفسي ماذا يفعل وهو مريض، وليس باليد حيلة.
معركة مع الغلاء
أم مروة - أم لثلاثة أبناء: زوجي حاصل على دبلوم تجارة قديم، لكنه لم يعمل به؛ لأن العائد منه كان بسيطا، ففضل العمل الحر، وهذا العمل غير مضمون، وكان هذا التذبذب سببا في غياب ميزانية للبيت ببنود ثابتة، وإسقاط كثير من أولويات الإنفاق، لكن استمرار هذا الوضع دفع زوجي للسفر إلى السعودية للبحث عن فرصة عمل أفضل، لكنه للأسف يعاني من نفس الظروف التي كان يعاني منها في مصر، وكلما طلبت منه العودة يقول: وكيف أعيش أنا وأنت والأولاد، وللأسف هو لا يدرك حجم المعاناة التي أعيشها، ومعركتي الدائمة هنا مع الغلاء، ومع الأولاد الذين ضعف ارتباطهم بوالدهم من ناحية؛ لأنه لا يرسل المبلغ الذي يعوضهم عن غيابه، ومن ناحية أخرى أنهم لا يجدونه بجانبهم في وقت حاجتهم إليه، وهذا يسبب لهم نوعا من الاكتئاب والحزن.
موجة استهلاكية
أم بسنت - ربة بيت: أصبح التليفزيون والإعلانات عدوي اللدود، فهم يتآمرون علي وعلى أولادي، ويزيدون من حدة معاناتي، فمن خلالهم تتصاعد طلبات الأولاد بغض النظر عن ظروفنا المادية، فهم يطلبون وعلينا التلبية، وإذا تأخرنا أو تعللنا بالغلاء، وضيق الميزانية، فإنهم يتهموننا بالتقصير في حقهم، ويقارنوننا بأصحابهم الذين عندهم كذا وكذا، ويأخذون مصروفا كذا وكذا.
فأصاب بحالة من الحزن لموقف الأولاد، وعدم تقديرهم لظروفنا، لكنني أعود وألتمس لهم عذرا في تأثرهم بالموجة الاستهلاكية السائدة حولهم.
أفقد معه الأمان
نرمين فتحي - محاسبة: ليس عندي شقة، وأقيم مع أبي، ولا أسهم بشيء في إيجار الشقة، ومع ذلك فإن مرتبي لا يكفي مصاريفي أنا وابني، خاصة أن زوجي لا ينفق مليما واحدا على البيت، وكل مرتبه أو معظمه يدخل به جمعيات، ولا أري منها شيئا؛ لأنه يضارب بها في البورصة، وغالبا ما يخسر أو يشارك في غيرها من المشروعات الفاشلة.
ويطلب مني أن أصرف على البيت من مرتبي، وهذا يفقدني الأمن والأمان معه، ويملؤني غيظا من (لا مبالاته) حتى تجاه ابنه، ولم أعد أطيق الحياة معه، وأفكر جديا في الطلاق، لأنه لا يعتمد عليه.
مراجعة الضروريات
ويعلق د. منير عبد المجيد - الخبير الاجتماعي والتربوي - على هذا الواقع، فيقول: لقد طال الغلاء الجميع على مستوياتهم المختلفة كبارا وصغارا، أغنياء وفقراء؛ بسبب انخفاض قيمة العملة، وثبات الأجر، أو على الأقل عدم تناسب زيادته مع زيادة وارتفاع الأسعار، مما يعني أن الأسرة التي كانت تعيش في مستوى معين ستضطر إلى حذف كثير من بنود إنفاقها الكمالية، (سواء على التنزه أو المصاريف أو غيرها لتوفير الضروريات، وحتى هذه الضروريات في كثير من الأحيان تخضع للمراجعة، وإعادة ترتيبها من حيث الأهم فالمهم، وهذا معناه انخفاض معيشة الأسرة بما فيهم مصروفات الأبناء، وزيادة الأعباء المفروضة على الوالدين، والتي تضغط عليهم، وتضعف قدرتهم على التحمل، فتنعكس سلبا على جميع أفراد الأسرة، فالأب قد يفقد أعصابه، وقد يفقد ضميره، ويضطره لتقاضي رشوة، أو يختلس؛ ليغطي نفقات الأسرة، وقد يسافر إلى أية بلد لزيادة دخله، وتعديل أوضاع أسرته المعيشية، والأم قد تنفجر وتلجأ إلى الهروب من جحيم البيت إلى بيت أهلها، بعد أن تكون قد أرهقتها مسألة تدبير الميزانية، وقد تضطر للخروج للعمل هي الأخرى، فترتبك الأسرة، أما الأبناء فقد يضطر بعضهم للسرقة، أو يلجأ إلى أصحاب السوء الذين يشاركونه معاناته المادية، وقد يلتحق بأي عمل ولو كان غير لائق؛ ليفي بمصروفات دراسته، ومصاريفه الشخصية، أو ليساعد والده، وقد يترك الدراسة بالكلية؛ لعجزه عن توفير المصروفات والانتقالات، وهذا يولد لديه شعورا بالإحباط، وعدم الرضا والسخط على والده وعلى المجتمع كله، وللأسف فإن هذه الضغوط المتراكمة على كاهل الأسرة قد تولد الانفجار، إما ضد المجتمع بتكسير اللوائح، والضوابط الدينية والاجتماعية، وانتشار الفساد الاجتماعي والأخلاقي، وزيادة الرغبة في الانتقام من المجتمع، وإما ضد الذات بالوقوع فريسة للأمراض النفسية، أو اللجوء إلى وضع نهاية لحياته بالانتحار.
وعن تصوره للتعامل مع هذا الواقع الخانق أشار د. منير إلى ضرورة تكاتف جهود الدولة والأفراد في اجتياز أزمة الغلاء الراهنة، فبالنسبة للحكومة عليها أن تعيد النظر كل عدة سنوات في أجور العاملين والموظفين وفق تغيرات لأسعار بما يحقق المحافظة على مستوى معيشة الأسرة المعتاد، فلا تتأثر بارتفاع الأسعار، وهذا ما تقوم به الدول المتقدمة التي تطبق قاعدة العدل في معاملة رعاياها.
حل المعادلة الصعبة
أما على مستوى الأسرة، فإن حل معادلة الغلاء والمعيشة يعد أمرا صعبا ما لم تدعمه جهود إضافية لزيادة دخل الأسرة، من خلال تشجيع المشروعات الإنتاجية في الأسرة، والاشتراك في المشاريع الصغيرة التي تمولها الدولة بقروض ميسرة، أو يسهم فيها أصحاب الأموال من رجال الأعمال والخيرين لتوفير دخل إضافي للأسرة، إلى جانب ذكاء ربة البيت في إدارة ميزانيتها، وضع خطة صرف شهرية أو أسبوعية، تتناسب مع الدخل، وتقوم على تقسيم بنود الصرف حسب أولوياتها الأهم، فالمهم، فضلا عن دور الأسرة في تربية أبنائها على الرضا والقناعة، وعدم تقليد الآخرين؛ لأن لكل أسرة ظروفها وإمكانياتها، فهل تنجح في ذلك ؟