- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:ثقافة و فكر
في زحمة الفوضي... كثيرا ما تداس قيم كبري تحت أقدام الغوغائية وغياب الحكمة والموضوعية.
وعلي الرغم من أن هذا المناخ هو السائد إلا أنه ستبقي المؤسسة الدينية رمزا موقرا في النفوس, وملاذا آمنا لا غني عنه حتي ولو تعرض لحالة من الأعياء والضعف لا أري فيها إلا أنها أزمة مرحلة أو جيل وليست أزمة تاريخ أو مصير..
بين تسييس الفتوي وإفراط بعض الفقهاء وتوجيه الأئمة والعلماء ــ حينا ــ وبين سوء القصد وخلل التقدير الإعلامي ــ أحيانا ــ وبين محاولات الزج المتعمد للدين وإقحامه في كل شاردة وواردة.. في وسط هذا الجو العليل تعيش المؤسسة الدينية ذلك الحصن الذي يمثل ركيزة اساسية في بنيان الدولة وقوة المجتمع.
لم تشهد مؤسسة ما بالعالم الإسلامي هجوما شرسا في المرحلة الأخيرة مثل ما لاقت المؤسسة الدينية.. هيئات وأشخاص .
لقد بلغ السيل الزبي حتي بات واضحا علي المراقب ــ دون جهد ــ أن ثمة أمرا يحاك بليل لكسر هيبة المؤسسة الدينية السنية, وذلك بالتجرؤ علي رموزها, وأحسب أن المسرح السياسي والعولمة الثقافية تدفع لذلك وتساعد عليه, ومما يدلل علي ذلك أن الواقع يشهد تصاعد أيديولوجيات إسلامية لها تاريخ من الصراع الطويل مع أهل السنة. كذلك سيطرة العلمانية ــ فصل الدين عن الدولة ــ علي كثير من المؤسسات وفرض منهجها, وما يستدعي ذلك من تحجيم دور المؤسسة الدينية والنيل من رموزها, وفي تقديري ان الإعلام العربي يعج بالعلمانيين الذين يسيرون ــ للأسف ــ في هذا الإطار بجهل أو تجاهل أو اقتناع, يضاف إلي هذا أن بعض الصحف الخاصة قد تغيب عندها قيم تقدير الرموز الدينية, وخاصة الإسلامية وأحسب أن هذا ليس عفو الخاطر أو من أجل الإثارة الإعلامية بقدر ما هو محسوب أو مخطط له لصالح مناهج ومعتقدات وأفكار أخري..! من هنا كان الخطر ووجب الحذر.
مع التسليم بأن المؤسسة الدينية ليست منزهه عن الخطأ بل يقر المسئولون فيها وعنها بأنها تمر بمرحلة ضعف ضمن حالة الاخفاق العام ــ ونحن مع هذا الرأي, إلا أنه ليس من مصلحة الأمة, ولا المجتمع ولا الدولة أن تتكاثر عليها السهام ــ سهام الحق وسهام الباطل. فتاوي كثيرة نشرتها الصحف في الفترة الأخيرة, لاشك أنها فتاوي غريبة في مجملها ولا جدوي منها بشكل عام بل يغلب ضررها علي نفعها وأبرزها إرضاع الكبير وغيرها.. أكثرها يقبل التأويل والتأويل خاضع لهوي المؤول. والصحافة من طبيعتها البحث عن الإثارة, ومن أهم ما يثير الناس غرائب الفتوي, ومن هنا تأتي مسئولية العلماء والمفتين الذين غفلوا عن قدرهم وأثر ما يقولونه وما يصدر عنهم لدي الناس فكان إفراطهم وتطوعهم وتسرعهم بالإفتاء في كل شيء, كان مبررا وسببا ومسوغا لوقوعهم في شرك إضعاف المؤسسة الدينية والنيل من هيبتها علموا ذلك أم لم يعلموا..
أصحاب هذه الفتاوي علماء ــ لا شك في هذا.. لكن المؤكد أنهم لا يدركون خطورة الترقب والتحفز والتتبع الإعلامي لمثل هؤلاء الرموز, وهذا حق الإعلام بشرط الأمانة في النشر.
إن توقير المؤسسة الدينية هو أصل من أصول بناء الإنسان السوي والمجتمع الآمن والأمة القوية وان لم نلتزم بهذا النهج ونتوقف عند ضوابط وآداب الحوار كان الخسران الفادح وأكبر ما سنخسره القيمة الكبري ــ المؤسسة الدينية بذاتها ــ وهوانها علي الناس, وما المؤسسة الدينية إلا الدين ومقامه في النفوس وقدره في القلوب.
إذا لم نستطع أن نلتزم بديننا, ونوقره في نفوسنا فلا أقل من أن نحافظ علي رموزه من الهوان ومناراته من الانهيار والضياع...
إن أزمة المؤسسة الدينية هي جزء من إخفاق عام تعيشه مؤسسات الأمة, وإن إدارة الأزمة تفرض علينا
أن نجعل للمؤسسة الدينية قدرا من الخصوصية في التقدير والمحافظة عليها من التصدع بعيدا عن القداسة والرهبنة فلا رهبانية في الإسلام... فهذه المؤسسة الدينية بمنزلة القلب من جسد الأمة, وإن لم نفعل ذلك وظللنا في طريقنا من إنهاكها وإرهاقها وعدم الرفق بها أو المساهمة في علاجها فالحذر الحذر من توقف القلب وحينئذ لا ينفع الندم, وإن كنت أري ذلك بعيدا لأنها ــ كما أشرت ــ أزمة جيل, وليست أزمة مصير.. وسترحل الأجيال بما فيها من رموز وعوام دينية ومدنية, وستظل المؤسسة الدينية منارات الإسلام والدعوة والافتاء باقية شامخة بإذن الله.
ــــــــــــــــــــ
الأهرام (بتصرف)