قراءة التاريخ ... لماذا ؟

5 1156

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين .

ماهو التاريخ ؟
التاريخ لغة هو الإعلام بالوقت ، واصطلاحا : اختلفت عبارات العلماء المسلمين في تحديد تعريف له ولعل ذلك راجع إلى سعة الموضوعات التي تدخل في مفهوم التاريخ. 

قال خليفة بن خياط "هذا كتاب التاريخ . وبالتاريخ عرف الناس أمر حجهم وصومهم وانقضاء عدد نسائهم ومحل ديونهم .

وقال عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته : إن التاريخ - في ظاهره - لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى . تنمو فيها الأقوال ، وتضرب فيها الأمثال ، وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال . وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال ، واتسع للدول فيها النطاق والمجال . وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال ، وحان منهم الزوال ، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق ، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق ، فهو لذلك أصيل في الحكمة وعريق ، وجدير بأن يعد في علومها وخليق .
لقد نظر ابن خلدون إلى علل الحوادث وأسبابها ، وحاول اكتشاف السنن التي تنتظمها ، وأكد على بداية الحوادث وقيام الدول وتعليل سقوطها .

كما عرف المؤرخ الحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي التاريخ بقوله :
هو التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال ، من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة ، وعقل وبدن ، ورحلة وحج ، وحفظ وضبط ، وتوثيق وتجريح ، وما أشبه هذا مما مرجعه الفحص عن أحوالهم في ابتدائهم وحالهم واستقبالهم ، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة من ظهور ملحمة ، وتجديد فرض وخليفة ووزير وغزوة وملحمة وحرب وفتح بلد ، وربما يتوسع فيه لبدء الخلق وقصص الأنبياء وغير ذلك من أمور الأمم وأحوال القيامة ومقدماتها (الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) .
إلى أن قال : والحاصل أن التاريخ فن يبحث فيه عن وقائع الزمان من حيثية التعيين والتوقيت بل عما كان في العالم" .
 وقال : "أما موضوعه فالإنسان والزمان"

في العصر الحديث عرف سيد قطب بغاية التاريخ فقال :
التاريخ ليس هو الحوادث إنما هو تفسير هذه الحوادث ، واهتداء إلى الروابط الظاهرة والخفية التي تجمع بين شتاتها ، وتجعل منها وحدة متماسكة الحلقات ، متفاعلة الجزئيات ، ممتدة مع الزمن والبيئة امتداد الكائن الحي في الزمان والمكان .

فالحاصل كما يقول محمد بن صامل السلمي : إن التاريخ علم نظري إنساني ، يبحث فيه عن حوادث الزمان من حيث التعيين والتوقيت والتفسير والتعليل . ويشمل جانبين هما :
    1. نقل الحدث بالرواية أو المشاهدة .
    2. تعليل الحدث .

والتاريخ فرع من فروع العلم ، وقد صنفه العلماء الذين كتبوا في مراتب العلوم ضمن العلوم التي تخدم الشريعة الإسلامية .
قال سفيان الثوري : "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ." ولذلك اعتنى كبار المحدثين مثل البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل وابن زرعة وأبي حاتم والترمذي بجوانب من علم التاريخ ، وصنفوا كتبا في ذلك .

ما دام علم التاريخ بهذه المنزلة من عناية العلماء به ، وخدمته للشريعة الإسلامية فإنه ينبغي على دارسه أن يتحرى الإفادة منه ، وأن يتلقى تعليمه على منهاج سليم (المنهج الإسلامي للدراسات التاريخية).

ولقد ازدادت أهمية التاريخ في العصر الحديث ، واستخدامه كأداة لتوجيه الشعوب وتربيتها ، كما استعان به أصحاب المذاهب الفكرية في فلسفة مذاهبهم وتأييدها ومحاولة إيجاد سند تاريخي لها . بل إن الإوروبيين ينظرون له نظرة تقديس وإجلال ، ويطلبون منه تفسير الوجود وتعليل النشأة الإنسانية .

ولما كان المرء المسلم لا يطلب العلم إلا لغاية وهدف يخدم دينه وعقيدته ، فلا بد أن يحدد ما هي الأهداف والثمرة المرجوة من دراسة التاريخ . وهل يكون ذلك لمجرد المعرفة أو التسلية ، أو حفظ الحكايات والأخبار أو إشباع رغبة وغريزة حب الاستطلاع .
إن دراسة التاريخ بوجه عام _ وتاريخ الأمة المسلمة على وجه الخصوص - لا ينبغي أن يكتفى في دراسته بتحقيق هذه الرغبات والحاجات القريبة  ، لأنه علم أجل من أن ينظر له هذه النظرة .

ثمرات دراسة التاريخ
إن لدراسة التاريخ ثمرات وفوائد متعددة :
    1. الأهداف التربوية (ولها تفصيل) .
    2. معرفة السنن الربانية .
وأنواع السنن : سنن خارقة وسنن جارية .

نماذج من السنن الجارية :
    أ. سوء عاقبة المكذبين .
    ب. أن البشر يتحملون مسؤوليتهم في الرقي والانحطاط .
    ج. مداولة الأيام بين الناس .
    د. زوال الأمم بانتشار الترف والفساد .
    هـ . هلاك الأمم بتفشي الظلم وترك العدل .
    و. انهيار الأمم وزوالها له أجل .
    ز. استحقاق المؤمنين لنصر الله .
    ح. الابتلاء للمؤمنين سنة جارية (وللإنسان على وجه العموم كذلك) .
    ط. سنة التدافع أو الصراع بين الحق والباطل .

3. التعرف على معالم تاريخ الإنسانية ومنها :
      أ. معرفة تاريخ الأنبياء عليهم السلام (منهج الأنبياء في مواجهة تحديات العصر) .
    ب. التعرف على سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم (منهجه في مواجهة تحديات العصر) .
    ج. التعرف على تاريخ الخلفاء الراشدين (منهجهم في مواجهة التحديات) .
    د. الاطلاع على سير العلماء والمجاهدين والمصلحين (دورهم في مواجهة التحديات) .
    هـ . التعرف على تاريخ دول الإسلام : الأموية والعباسية والعثمانية وعلاقتهم بالدول الأخرى وتاريخ الإنسانية .
    ز. معرفة أثر الإسلام في حياة البشرية .

4 . تأكيد جملة من الحقائق الهامة في حياة البشرية وهي :
      أ. أن توحيد الله عز وجل وإفراده وحده بالعبادة ، أول ما عرفت البشرية .
    ب. أن الإنسان مستخلف في هذا الكون لغاية .
    ج. أن الإنسان خلق خلقا سويا من أول لحظة .
    د. إن الإنسان بحاجة دائمة إلى من يذكره .
    هـ . أن الأمة المسلمة هي صاحبة الدور المؤثر في حياة البشرية .
    5. ومن ثمرات دراسة التاريخ الصبر على المشاق .
    6. لدراسة التاريخ قيمة مادية نفعية .
    7. ويعطي حصانة ضد الخرافات والبدع .
    8. ولدراسة التاريخ فضائل أخلاقية .
    9. ودراسة التاريخ تساعد على فهم الحاضر .
    10. وتمكن من معرفة القرون الفاضلة .
    والأدلة على ذلك كثيرة ، ولكن المقام قد لا يسمح بذلك ، ومع هذا لا بد من التفصيل في موضع آخر إن شاء الله

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة