الشعراوي المفسر الموهوب

17 2320

تجمعت القلوب حوله، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير، فتراهم يرقبون ظهوره على شاشات الرائي، أو خلف أجهزة المذياع، ليستمعوا إلى تفسيره لآيات الذكر الحكيم، ويستمتعوا بما يجود الله به عليه من خواطر قرآنية. إنه الشيخ محمد متولي الشعراوي

سيرته وشخصيته

ولد الشيخ الشعراوي في الخامس عشر من شهر ربيع الثاني، عام (1329هـ-1911م)، في قرية دقادوس، التابعة لمحافظة الدقهلية، في جمهورية مصر العربية. وحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره. وعندما بلغ الخامسة عشرة كان قد أتم تجويده.

تابع دراسته الابتدائية والثانوية في المعاهد الأزهرية في محافظة الزقازيق. وتخرج من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام (1359هـ-1941م)، وحصل على شهادة (العالمية) مع إجازة التدريس عام (1361هـ-1943م).

وفي عام 1396هـ، 1976م منح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، بمناسبة بلوغه سن التقاعد، وتفرغه للشؤون الدعوة الإسلامية.

وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام (1408هـ-1988م). كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة في عام (1410هـ-1990م). وحصل على جائزة إمارة دبي لشخصية عام (1418هـ-1998م).

مواقفه

تمتع الشيخ الشعراوي بطبيعة ثائرة، لا ترضى الضيم، ولا تسكت على هوان، وتثور على كل من لم يلق لأمر الدين بالا. ومن مواقفه المشهودة والمشهورة بهذا الصدد، أنه عندما كان طالبا في معهد الزقازيق رأس اتحاد الطلاب. ولما تفجرت ثورة الأزهر عام (1352هـ-1934م) مطالبة بإعادة الشيخ المراغي بعد عزله من رئاسة الأزهر، خرج الشيخ في مقدمة المطالبين بإعادة الشيخ المراغي إلى منصبه، وألقى أبياتا من الشعر، اعتبرت حينئذ ماسة بمنصب (الملكية)، فقبض عليه، وأودع السجن. 

الوظائف التي شغلها

بعد أن أنهى الشيخ دراسته الجامعية، عمل مدرسا في العديد من المعاهد الدينية في مصر، ثم أعير إلى المملكة العربية السعودية، للتدريس في كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز آل سعود بمكة المكرمة.

ولما انتهت فترة إعارته للملكة العربية السعودية عاد إلى مصر، وعين وكيلا لمعهد طنطا الديني، ثم مديرا لإدارة الدعوة بوزارة الأوقاف، كما عين مفتشا للعلوم العربية بجامعة الأزهر الشريف. وعين مديرا لمكتب شيخ الأزهر حسن مأمون.

في عام (1394هـ-1975م) عين الشيخ الشعراوي مديرا عاما لمكتب وزير شؤون الأزهر. وعين بعد ذلك وكيلا لوزارة شؤون الأزهر للشؤون الثقافية. وعين وزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر في وزارة السيد ممدوح سالم. وخرج من الوزارة في (1398هـ-1978م). وعين بعد ذلك بمجمع البحوث الإسلامية عام (1400هـ-1980م). ثم بعد ذلك تفرغ لشأن الدعوة، ورفض جميع المناصب السياسية أو التنفيذية التي عرضت عليه.
المفسر الموهوب

انخرط الشيخ الشعراوي في محاولة لتفسير القرآن، وأوقف حياته على هذه المهمة؛ ولأنه ضليع في اللغة العربية كان اقتراب اللغوي من التفسير آية من آيات الله. 

أول مزية للشيخ الشعراوي نلمحها في منهجه التفسيري، أن تفسير القرآن على لسانه يبدو جديدا فريدا. أما المزية الثانية، فهي أن الشيخ رحمه الله رزق موهبة نقل الأفكار بأبسط الكلمات، وأرشق الأساليب، وقلما اجتمع هذا لأحد ممن توجهوا لتفسير القرآن مباشرة.

وقد أحس كل من تابع تفسير الشيخ للقرآن عبر وسائل الأعلام، أو في المجالس المخصصة لذلك، بأن الله يفتح عليه وهو يتحدث، ويلهمه معاني وأفكارا جديدة. فكان تفسير الشيخ الشعراوي للقرآن جديدا ومعاصرا، يفهمه العوام، ويلبي حاجات الخواص، وكانت موهبته في الشرح لآيات القرآن، وبيان معانيه قادرة على نقل أعمق الأفكار، بأسلوب سلس مشوق جذاب، يكاد يأخذ بلباب العقول، ويدخل القلوب بغير استئذان. 

وقد وصف الشيخ الشعراوي جهده الذي بذله في تفسير القرآن بأنه "فضل جود، لا بذل جهود". ومما قاله بهذا الصدد: "فهذا حصاد عمري العلمي، وحصيلة جهادي الاجتهادي، شرفي فيه أني عشت كتاب الله، وتطامنت لاستقبال فيض الله، ولعلي أكون قد وفيت حق إيماني، وأديت واجب عرفاني، وأسأل الله سبحانه أن تكون خواطري مفتاح خواطر من يأتي بعدي". 

والملفت للانتباه، أن الشيخ الشعراوي لم يعتبر جهده الذي بذله في توضيح وبيان آيات القرآن الكريم تفسيرا له، بل -بحسب رأي الشعراوي نفسه- جملة خواطر ليس إلا، يقول في بيان هذا المعنى: "خواطري حول القرآن لا تعني تفسيرا للقرآن، وإنما هي هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو كان القرآن من الممكن أن يفسر لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أولى الناس بتفسيره". 

وشيء آخر يستوقف المتابع لتفسير الشيخ الشعراوي وهو تعريفه للقرآن الكريم، حيث إن للشيخ تعريفا للقرآن، يغاير بعض الشيء التعريف المشهور للعلماء، فهو يعرف القرآن بأنه: "ابتداء من قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم}، إلى أن نصل إلى قوله: {من الجنة والناس}، على أن نستعين بالله من الشيطان الرجيم، قبل أن نقرأ أي آية من القرآن".

وعلى الجملة، فقد وفق الشيخ الشعراوي في تعامله مع النص القرآني شرحا وتبيانا ما لم يوفق الكثير إليه، ونفع الله به خلقا كثيرا. 

جهوده العلمية

ترك الشيخ الشعراوي للمكتبة الإسلامية -غير خواطره التفسيرية- العديد من المؤلفات القيمة، التي تعتبر زادا للمسلم في خضم هذه الحياة. من تلك المؤلفات نذكر التالي: (الإسراء والمعراج)، و(الإسلام والفكر المعاصر)، و(الإسلام والمرأة عقيدة ومنهج)، و(الشورى والتشريع الإسلامي)، و(الطريق إلى الله)، و(المرأة كما أرادها الله)، و(معجزة القرآن)، و(من فيض القرآن)، و(المنتخب من تفسير القرآن)، وغير ذلك من المؤلفات المكتوبة كثير.

وللشيخ -غير المؤلفات المكتوبة- تسجيلات مسموعة ومرئية، يأتي في مقدمتها (خواطر الشعراوي)، وهي خواطر محورها الأساس أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله، إضافة إلى تسجيلات صوتية موضوعها (قصص الأنبياء) عليهم السلام، وقبل هذا وذاك تسجيلات حول (خواطره القرآنية).

ومما ينبغي أن يشار إليه هنا، أن التفسير المطبوع للشيخ الشعراوي، لم يضعه هو نفسه، وإنما جمعته بعض دور النشر من تسجيلاته الصوتية، وقام بعض علماء الأزهر بمراجعته وتخريج أحاديثه.

جهوده الدعوية

لم يكن الشيخ الشعراوي مجرد مفسر للقرآن الكريم فحسب، بل نشط أيضا في مجال الدعوة إلى الله، وأبلى في هذا الجانب بلاء حسنا، وشد الرحال داعيا إلى الله على بصيرة، وكان خير سفير للإسلام في كل مكان وطأته قدماه. ومن الدول التي قصدها الشيخ داعيا إلى الله العديد من الدول الأوربية، وأمريكا، واليابان، وتركيا، وأغلب الدول الإسلامية، حيث دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبلغ رسالة الإسلام خير بلاغ، واستمر على ذلك حتى أتاه اليقين. فكان بحق من خير الدعاة إلى الله في هذا العصر. 

قالوا عن الشيخ:

لقد قيل عن الشيخ الشعراوي في أثناء حياته وبعد مماته الكثير الكثير، نقتبس غيضا من فيض: 

فالأستاذ أحمد بهجت، يصف الشيخ الشعراوي، بأنه "كان واحدا من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصر الذي نعيش فيه...والملكة غير العادية التي جعلته يطلع جمهوره على أسرار جديدة وكثيرة في القرآن. وكان ثمرة لثقافته البلاغيه التي جعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرون. وكان له حضور في أسلوب الدعوة، يشرك فيه جمهوره، ويوقظ فيه ملكات التلقي". 

أما الدكتور محمد عمارة فيقول: "الشعراوي قدم لدينه ولأمته الإسلامية والإنسانية كلها أعمالا طيبة، تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة". 

وقال الشيخ سيد طنطاوي: "كان له أثر كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وبصمات واضحة في تفسير القرآن بأسلوب فريد، جذب إليه الناس من مختلف المستويات الثقافية". 

وقال الشيخ القرضاوي: "لا شك أن وفاة الإمام الراحل -طيب الذكر- الشعراوي تمثل خسارة فادحة للفكر الإسلامي، والدعوة الإسلامية، والعالم الإسلامي بأسره. فقد كان رحمه الله رمزا عظيما من رموز ذلك كله، وخاصة في معرفته الشاملة للإسلام، وعلمه المتعمق، وصفاء روحه، وشفافية نفسه، واعتباره قدوة تحتذى في مجال العلم والفكر والدعوة الإسلامية".

رحلته الأخيرة

بعد جهاد كبير في مجال التفسير، والدعوة إلى الله، ألقى الشيخ الشعراوي عصا التسيار، وفارق الدنيا في التاسع عشر من شهر ذي الحجة، عام (1418هـ)، الموافق السابع عشر من أبريل عام (1998م). وقد تركت وفاته أثرا عميقا في نفوس المسلمين كافة، وصدى كبيرا في أقطار الإسلام عامة، وخسرت الأمة بوفاته علما من أعلامها، وداعية من دعاتها.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة