- اسم الكاتب:مركز الإعلام العربي
- التصنيف:الأسرة اليوم
هل أنهيت دراستك، وانتظر من حولك أن تبحث عن عمل، فلم تفعل؛ فحاولوا مد يد العون، وإيجاد عمل لك، ولكنك ترفض كسلا وفتورا أو احتقارا للعمل، وربما حاولت، ولكن نفسك تشدك دائما للقعود، تستحي ممن حولك، وتستجدي منهم في نفس الوقت، ولكنك لا تعلم ماذا تفعل؟ إذا كنت هذا الشاب أو كان في محيطك أحد مثله، ربما ساعدتك سطور هذا التحقيق على الخروج من هذه الحالة.
قصص من الواقع
نشأ عادل نشأة مدللة، كل طلباته مجابة، ويخطئ ولا يعاقبه أحد، رغم أنه من أسرة فقيرة أو متوسطة الحال، ذلك أنه الابن الأخير في الأسرة، وأتم تعليمه الإعدادي بالكاد، ثم سعى أخوه الأكبر، وألحقه بمدرسة عمالية؛ حتى يستطيع الحصول على شهادة ولو متوسطة، وحصل عليها بالفعل وماذا بعد؛ ظل عادل بالبيت ينام النهار، ويسهر الليل، ولا يبحث عن عمل، ولكما وجد له أحد أخوته عملا ينتظم فيه أياما معدودة، ثم يتركه، وكلما حدثه أحد في ذلك تعلل بأنه ينتظر حتى يتم الخدمة العسكرية، وبالفعل أتمها ومازال يغط في نوم عميق.
وتحكي ناهد عن أخيها محمد، الذي حصل على الدبلوم الثانوي الصناعي، وانتظر حتى وجد له الأب عملا في أحد مصانع الدولة ، والذي تم بيعه للقطاع الخاص فيما بعد، مما اضطره للجلوس في البيت بلا عمل، وهو مقبل على الزواج، ويحاول أن يعمل، لكنه يحتاج دائما إلى من يقترح عليه العمل، عمل في فرن لمدة، ثم ترك العمل، فكر في أن يقف بعربة كبدة، واستمر لفترة، ثم ترك كل شيء وظل بلا عمل.
حلم الزواج من أجنبية
وتقول إحدي الأمهات: تخرج ابني من معهد السياحة والفنادق، وتفرغ للجلوس على المقاهي مع أصدقائه، وعندما ألححت عليه ليعمل، سافر إلى الغردقة للعمل في أحد الفنادق، واستمر فيه لفترة، وبعد تراجع السياحة نتيجة الأعمال الإرهابية هناك، عاد إلى القهوة، وقال إن الفندق استغنى عنه، وعن آخرين، وأخذت أقترح عليه العمل في مطاعم أو كافتيريات، وساعدني بعض المعارف في إيجاد عمل له في إحداها، ولكنه رفض، وقال: إنه يبحث عن فرصة عمل أفضل ولا يخجل من أن يعلن أنه يخطط لمستقبله بالزواج من ألمانية، والسفر معها، ويعيش على هذا الأمل، ويرفض أن يطور نفسه بدراسة لغة أو كمبيوتر، أو أن يعمل أي عمل حتى، مضى على تخرجه خمس سنوات، وهو على هذه الحال.
وتحكي أم مصطفى عن ابنها فتقول: يبلغ ابني من العمر الآن أربعين عاما، ولا يعمل، فقد عمل لفترة في مكتبة لكتب التراث؛ لأنه يحبها، ثم أغلقت لظروف ما، وبعدها لم يحاول أن يطرق باب العمل مرة أخرى، ووالده ينفق عليه، فهو لحمنا ودمنا، ولكني أتأسف على حاله بين إخوته، فقد تزوج كل منهم، وأصبح له أسرة وأولاد، وهو ما زال منعزلا عن الحياة والعالم.
وغير هؤلاء حولنا العديد من الأسر التي تعولها المرأة، رغم وجود الزوج وخلوه من الأمراض، وبالرغم من ذلك، يجلس في المنزل ينتظر الزوجة لتأتي له بالطعام والشراب، وربما تسيد عليها بعد ذلك دون أدنى إحساس أو شعور بالمسؤولية؛ وليس ذلك إلا لأنهم كانوا عاطلين عن العمل منذ الشباب، وكانوا عالة على آبائهم، ثم استبدلوا بالآباء الزوجات، وربما الأبناء.
الحركة بركة
وعن مشكلة البطالة الاختيارية تبدأ الأستاذة نيفين عبد الله - مديرة مركز أجيال للتنمية الأسرية - كلامها فتقول: ليس من الطبيعي أبدا أن يرفض الشاب أن يحقق أحد أهم الاحتياجات الإنسانية ألا وهي الاحتياج للإنجاز، فالاحتياج للإنجاز احتياج أساسي، ويسعى له الإنسان، وإن كان على غير وعي به.
وترجح أن الشباب لا يجدون فرص العمل التي يحلمون بها، ويتوقون إليها، ولهؤلاء الشباب نقول: في كل ما تحب بعض مما لا تحب؛ ولذا احرص على أن تجد أقرب ما يناسبك من المتاح؛ حيث إن الحركة بركة، كما يقولون، فالحركة في مجال ما مهما كان بسيطا، أو متواضعا لا بد أنه سيوصلك لغيره، ففرص العمل لا تأتي للبيوت، وإنما تلوح في الأفق في أماكن العمل، وجميع من يعملون يعرفون أنه يمكن أن تقبل بعمل لا يرضيك بالكلية؛ أملا في أن يوصلك للعمل الذي تتمنى، وحسب لغة السوق كل خبرة تضاف لرصيدك وسيرتك الذاتية، ولذا احرص على ألا تفوت أية فرصة لتضيف لرصيد خبراتك، وإن لم يتوافق مع ميلك وحلمك.
الكلمة الثانية التي أقولها من قلبي: إن الشباب كله أمل وطموح ورغبة في التواجد، وإثبات الذات، النقطة الفاصلة أن هذه الرغبة بحاجة لتوجيه، وتزويد دائم بالمهارات المختلفة التي تؤهله فعلا للعمل.
فعالم اليوم يفرض فكرة التميز فرضا قويا، فلم يعد يكفي أن نلتحق بالجامعات أو المعاهد العليا لنعمل؛ بل كل صاحب عمل يبحث كثيرا عن أشخاص أكفاء ليعملون، ولكن للأسف الشديد الكفاءة نادرة فعلا.
إذن المسألة ليست مسألة بطالة، كما نتشدق أحيانا، وندعي، إنما كما ذكر أحد المسؤولين من قبل: المسألة نقص حقيقي في الكوادر والكفاءات، ولذا عليك أخي أن تنتهز كل فرصة للتعلم، وتنزل لعالم العمل حتى تراه وتحتك به، وتفهم متطلباته، فتسعى للتزود بها، وتذكر دوما طريق النجاح يبدأ بخطوة، فلتكن أولى خطواتك أن تبحث وتبحث وتبحث عن أي عمل مشروع.
العمل فريضة
وعن قيمة العمل في الإسلام يحدثنا الشيخ جمال قطب (من علماء الأزهر الشريف) فيقول: العمل لاكتساب ضرورات الحياة فريضة، ولا بد من الاستعداد لها باختبار القدرات الخاصة لكل إنسان، والمفروض أن تكون سنوات الدراسة هي المجال لاختيار وتحديد هذه القدرات، فيختار الإنسان من التعليم ما يساعده على إتقان عمل ما، ويكون العمل سببا في تغيير الحياة، وإعفاف النفس، وتحقيق الكفاية المادية.
ويضيف أن كثيرا من التخصصات العلمية أصبحت لا تجد لها مكانا في سوق العمل، وبالتالي على أصحاب هذه الشهادات ألا ينتظروا التوظيف، وأن يسعوا لتطوير مهاراتهم ليتمكنوا من العمل.
وقد كان لجميع الأنبياء عمل يمارسونه، حتى سيدنا داود، فرغم أنه كان ملكا إلا أنه كان حدادا، والقرآن يقول عنه {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون}، وكان سيدنا نوح نجارا، وما من نبي إلا ورعى الغنم، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم)،
ويشير الشيخ جمال إلى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علمنا أن العمل يبلغ بصاحبه أرفع الدرجات، وأن الله يغفر لعبد بات كالا من عمل يده، كما أمسك (صلى الله عليه وسلم) بيد أحد العمال وقد خشنت من العمل، وقبلها، وقال هذه يد يحبها الله ورسوله، وليعلم الشباب أن العمل مدار كرامة وإنسانية الإنسان قوة وبقاء الأوطان، فبدونه يصبح المجتمع عالة على غيره من المجتمعات، وإذا تأخر استيراد الغذاء والكساء بات الناس في عري وجوع، ويتعرض المجتمع للتهديد في ضروراته وقت الحرب، ولذلك على الجميع أن يعملوا ليس فقط من أجل إطعام أنفسهم وذويهم، ولكن أيضا من أجل أوطانهم.
طفولة ممتدة
ويستغرب الشيخ من شخص يجد عملا ويرفض أن يعمل، ويقول إذا وجد هذا الشخص، فهو إنسان يفتقد معنى الإنسانية؛ إذ كيف يحتاج إلى غيره ولا يسد حاجة نفسه، فلا بد أن يعيد الشباب النظر فيما وصلوا إليه ليس فقط من بطالة مقنعة، ولكن طفولة ممتدة معيلة، حتى سن العشرين وما بعدها، فبمجرد بلوغ السعي في سن الثالثة عشرة والخامسة عشرة يجب أن يبدأ التدريب والإعداد حتى يستطيع الشاب أن يتكسب، ويكفي نفسه منذ الثامنة عشرة، فالآباء ليسوا مسؤولين شرعا ولا عقلا عن إطعام هذه الأجسام الكبيرة والأعمار التي تخطت سن الرشد.
ويدعو الشباب إلى طرق باب العمل باكرا، فليس من الضروري التفرغ للتعليم الجامعي، كما أن ساعات العمل لا تزيد عن سبع ساعات يوميا، فيمكن للشاب أن يوازن بين الدراسة الجامعية، والعمل، كما أن الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) تتيح كثيرا من المعارف والعلوم لراغبيها دون الحاجة إلى دراسة.