- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:ثقافة و فكر
تعد اللغة الفرنسية في الجزائر لغة الاحتلال والاستعمار على مدى 132عاما، ولم تكن لغة ثانية أو ثالثة.. إلى جانب ذلك فإن المشروع الاستعماري الفرنسي كان يرمي إلى طمس الهوية الوطنية بأركانها وجذورها التاريخية والحضارية، كما أن اللغة الفرنسية فرضت بالقوة في التعليم والإدارة مع منع اللغة العربية، وتجاهل اللغة الأمازيغية بالكامل.
نشر الثقافة الفرنسية
سياسيا، الحكومة الجزائرية رفضت الانتماء إلى المنظمة الدولية للفرانكفونية، وهذا الرفض تنظر إليه القيادة الفرنسية بكثير من الامتعاض ورغم ذلك فإن الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" سبق له أن شارك بصفة ملاحظ في قمتين لهذه المنظمة عامي 2002، و2004م.. وتضم المنظمة 55 دولة، تريد فرنسا أن تضيف إليها الجزائر؛ ليصبح تعدادها 56 دولة.
وفي هذا الإطار قدم الرئيس الفرنسي "نيكولا ساركوزي" مؤخرا دعوة للرئيس بوتفليقة للانضمام إليها في القمة التي ستنعقد بمدينة "كيبيك" الكندية في شهر أكتوبر القادم.
وتفيد الجهات السياسية الجزائرية المسؤولة بأن صفقة الانضمام الجزائري إلى المنظمة قد لا يكتب لها النجاح في هذا الوقت بالذات الذي لم يتم فيه الفصل نهائيا في قضيتين حسب بعض المصادر؛ أولاهما قضية العهدة الثالثة للرئيس بوتفليقة، وثانيتهما تتصل بالموقف الفرنسي من عدم تقديم الاعتذار الرسمي عن الاستعمار، والمجازر التي ارتكبتها قواتها في الجزائر من عام 1830م إلى 1962م.
من جهة أخرى تحاول فرنسا عن طريق إنشاء اتحاد دول البحر الأبيض المتوسط أن تتزعم هذا الاتحاد، وبالتالي تتمكن من نشر اللغة والثقافة الفرنسية.
ويرى الخبراء أن استراتيجية "ساركوزي" لا تقتصر على إنشاء فضاء اقتصادي متوسطي بحت، بل إنه يطمح إلى جعله بمثابة النادي الفرنسي لدول حوض المتوسط، تمارس فرنسا من خلاله قوتها الناعمة ثقافيا، ولغويا، وحضاريا.. وفي الواقع، فإن قيادة "الإليزيه" تدرك تضاريس الوضع اللغوي في الجزائر سواء على مستوى الإدارة، أو الإعلام، أو الأدب. ففي مجال الإعلام اللغة الفرنسية لها حضور قوي، إذ هناك عدد لا يستهان به من الصحف والمجلات الناطقة بالفرنسية إلى جانب الفضائيات التلفزيونية، والمحطات الإذاعية.. وعلى الصعيد الأدبي فإن في الجزائر حركة أدبية ناطقة باللغة الفرنسية مثيرة للتساؤل.
تيار غريب طارئ
يصف الكاتب المصري محمد حسنين هيكل الفرانكفونية بأنها "تيار غريب طارئ"، فيقول "وأخيرا وفجأة ظهر على ساحة المنطقة مشروع طارئ باسم الفرانكفونية، وهو مشروع منظمة غريبة لا تعبر بالنسبة إلى الأمة عن هوية، ولا أمن ولا مصلحة، ولا أمل، بل قامت على إنشائه الدولة الفرنسية بسلطتها، وتوجهه الدولة الفرنسية بأدواتها، وتديره الدولة الفرنسية بأجهزتها".
ويذكر غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني الأسبق أن "الفرانكفونية وضعت نصب عينها منذ إنشائها مهمة أن تحمل إلى (الجوقة العالمية) موسيقى لغتها والثقافات التي شربت من ماء هذه اللغة، وهي مفهوم سياسي جغرافي حديث النشأة".. أما المترجم المصري بشير السباعي فيعرفها قائلا "إنها تعني الصوت الفرنسي".
ومن الناحية السياسية ودور الفرانكفونية فيها فإننا نجد أن كلمتي "الفرانكفونية"، و"فرانكفونيون" قد دخلتا إلى القاموس السياسي، حيث تم تعريف الفرانكفونيين بتعريف أشمل مما ذكر سابقا من التعريفات، وهو "أنهم هؤلاء الذين يتقنون اللغة الفرنسية، ويقرؤون الأدب الفرنسي، ويستمعون إلى الموسيقى الفرنسية، ويعرفون تاريخ فرنسا وأعلامها عبر التاريخ، ويترجمون لأشهر الكتاب والمفكرين الفرنسيين إلى لغاتهم الحديثة".
مؤسسات تتوالد.. ولغة تتدهور
ظهر أول تجمع فرانكفوني عام 1969م خارج فرنسا في مدينة "نيامي" (عاصمة النيجر) على يد مجموعة من القيادات الأفريقية التي نادت بضرورة إقامة منظمة دولية تجمع بين الدول التي تشترك في اللغة والثقافة الفرنسيتين، وبالتالي لم تكن فكرة فرنسية مباشرة ، بل فكرة الرئيس السنغالي "ليوبولد سنجور"، والرئيس التونسي "بورقيبة"، والنيجيري "حماني ديبوري".
وبدأت مؤسسات كثيرة بفكرة الفرانكفونية من أجل العمل على إدارة نشاطاتها، بداية "بالبعثة الفرنسية" عام 1883م، تبعها "الفيدرالية العالمية للثقافة وانتشار اللغة الفرنسية" عام 1906م، و"الجمعية العالمية للكتاب باللغة الفرنسية" عام 1947م، وجمعيات ومنظمات كثيرة تصب في هذا الهدف يضاف لها مؤتمرات القمة التي تجمع بين رؤساء الدول والحكومات التي تستخدم اللغة الفرنسية، وكان أول هذه المؤتمرات عام 1986م "مؤتمر فرساي" الذي عقد في فرنسا في عهد الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران الذي أعطى الفرانكفونية مجهودا وزخما كبيرا للرقي بها إلى مستوى العالمية، ويعد هذا المؤتمر بداية جدية لتفعيل دور الفرانكفونية عالميا، فقد حضرته 41 دولة ناطقة باللغة الفرنسية؛ سواء بشكل كلي أو جزئي مثلها فيها رؤساء دول وحكومات ووزراء من مختلف قارات العالم، ثم تبعه عدة مؤتمرات (كويبك عام 1987م، داكار عام 1989م و باريس عام 1991م وغيرها، وقد ناقشت تلك المؤتمرات عدة مواضيع متنوعة ومختلفة، منها السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والفنية والعلمية التي تدعم توجهات السياسة الفرانكفونية الهادفة إلى إقامة تجمع فرانكفوني للدول الناطقة بالفرنسية المنضوية تحت مظلة المنظمة الفرانكفونية.
دول وهيئات تابعة للمنظمة
ويجدر بنا أن نبين أن المنظمة الدولية للفرانكفونية (OIF) التي حلت مكان وكالة التعاون الثقافي والتقني (ACCT) أصبحت بمثابة الأمانة العامة لمختلف المؤسسات الفرانكفونية من ناحية وضع الخطط والبرامج، ومتابعة تنفيذها والإعداد لمؤتمرات القمة، وينضوي تحتها في الوقت الحالي الهيئات التالية:-
ـ الوكالة الجامعية للفرانكفونية (AUF)، وتشمل أكثر من 400 مؤسسة جامعية ومدارس كبيرة ومعامل ومراكز أبحاث.
ـ الجامعة الدولية الفرنسية للتنمية الأفريقية "جامعة سنجور" بمدينة الإسكندرية المصرية، وتهدف إلى إعداد الكوادر العليا ولاسيما في البلاد الأفريقية.
- الجمعية الدولية لرؤساء البلديات في البلدان الفرانكفونية.
- قناة التلفزيون الدولية الفرانكفونية (TV5) الموجهة إلى أكثر من 300 مليون مشاهد فرانكفوني.
وتضم المنظمة خمسا وخمسين دولة، منها ثلاث دول تشغل صفة مراقب وهي (بولندا وسلوفينيا وليتوانيا).. وتجتمع هذه الدول جميعها على رابطة اللغة المشتركة، وهي اللغة الفرنسية التي يبلغ عدد الناطقين بها من سكان دول المنظمة 500 مليون شخص منهم 175 مليونا تعد الفرنسية لغتهم الأولى، وتبلغ ميزانية المنظمة الفرانكفونية 150 مليون يورو سنويا.
ومن الجدير بالذكر أن الثقافة الفرنسية مدعومة أيضا ب 1060 مركزا ثقافيا موزعة على 140 دولة، وتقدم دروسا باللغة الفرنسية إلى أكثر من 370 ألف طالب، وتؤدي دورا بارزا في توثيق الروابط الثقافية والحضارية بين فرنسا والدول الموجودة فيها.. بالإضافة إلى ممارستها لمجموعة مختلفة من النشاطات كالترجمة المتبادلة، وإقامة المعارض والمتاحف لأهم الإنجازات الحضارية العالمية القديمة والحديثة، وعرض الأفلام السينمائية وغيرها، ورصد الثقافات المحلية والعمل على إبرازها بصورة مطبوعات أو أفلام مسجلة.
الفرانكفونية تطرح شعارات متنوعة وتسعى لتحقيق أهداف متعددة وتدعم التنوع الثقافي واللغوي،- بزعمها - وتعمل على تفعيل حوار الحضارات والثقافات، والتقدم التقني والعلمي وغيرها.
و يوجد تياران من أبناء المغرب العربي تيار مناصر للفرنسة (الفرانكفونية) في العصر الحالي ويعتبرها مساعدة لدول المغرب العربي على الانفتاح بمختلف المجالات، وهؤلاء يعتبرون الفرنسية غنيمة حرب ويقولون بضرورة الاعتراف بوجودها في الفضاء الثقافي المغاربي كاللغة العربية.
وتيار آخر لا يخفي معارضته لها بل ويصفها بأنها "سياسة رسمية اكتساحية من صنف "الغلوتومابيا" أو الافتراس اللساني، وبأنها تضرب أيضا في الصميم البعد الكياني والنسيج الوجداني والثقافي للمجتمعات التي تستهدفها، فضلا عن كونها تمارس سياسة الكيل بمكيالين من خلال دفاعها المستميت عن لغتها وثقافتها، وتسعى لنشرها بين الشعوب الأخرى على حساب ثقافاتها ولغاتها الأصلية" ، وهكذا نجد أن الفرنسيين ينشطون لنشر ثقافتهم ولغتهم لتهيمن على بلاد العرب والمسلمين ، بينما لغتنا العربية وثقافتنا الإسلامية لا بواكي لهما !!.
_______________
مجلة المجتمع العدد 1808 بـ"تصرف"