حماية اللغة العربية مسئولية من؟!

0 887

جاءت الندوة التي تنظمها وزارة الثقافة والفنون والتراث في وقت تتعرض فيه اللغة العربية للكثير من الأخطار، سواء من الداخل أو الخارج، مما يستوجب العمل على تدارك الوضع الذي وصلت إليه لغة القرآن، حتى لا تتفاقم عوامل الضعف، مع التسليم دون تردد بأن بقاءها لن ينال منه كائن من كان، فهي لغة القرآن وهو الذكر المحفوظ إلى يوم الدين، وهذه البدهية لا تغني عن النظر في الضعف الذي بدأ يتسرب إلى اللغة نتيجة عوامل كثيرة يعرفها المهتمون بعلم اللغة، والباحثون في شؤونها وشجونها، ونظرة واقعية إلى حقيقة ما تعيشه اللغة من ضعف، يدعو إلى دق ناقوس الخطر لإنقاذها من التردي، وحمايتها من  الأخطار التي قد تتعرض لها.

وعندما نتحدث عن الأخطار التي تتعرض لها اللغة العربية من الداخل فإنما نعني هذه الأخطار التي تتزايد على أيدي أبناء هذه اللغة، بجنوحهم الدائم نحو التغريب، وكأن أحدهم لا يهنأ له بال إلا إذا حشر  بين ثنايى حديثه  جملة من الكلمات الأجنبية، مع أن اللغة العربية غير عاجزة عن هذه الكلمات، إنما العجز من المتحدث نفسه، وهناك أيضا من لا يهدأ له بال إلا إذا جعل العاملين في مؤسسته أو مكاتبه التجارية ممن لا يتقنون العربية، وهذا الزخم من العمالة الوافدة في هذا المجال، لا يعنيها الحديث باللغة العربية، لأنها تجد تشجيعا من أصحاب تلك المؤسسات والمكاتب على ترك اللغة العربية جانبا والتحدث لعامة الناس باللغة الأجنبية، حتى وإن لم يفهمها عامة الناس، مما يشكل صعوبة في التفاهم، وربما ضياع بعض المصالح لبعض المواطنين، نتيجة غياب من يتحدث اللغة العربية في تلك المؤسسات والمكاتب – نظرة أو زيارة لبعض مكاتب الدولة ذات العمل المباشر مع الجمهور تشهد بما نقول - وفي مقدمتها المستشفيات و مكاتب شركات الطيران وبعض المؤسسات التجارية والمالية المختلفة، وأحيانا الباعة في الأسواق التجارية.

يضاف إلى كل ذلك العمالة المنزلية من خدم وخادمات وسائقين وغيرهم، وبسبب وجود هذه الفئة، ظهرت في مجتمعنا لغة ثالثة، وهي لهجة هجينة لا هي بالعربية ولا بالإنجليزية، ولا تنتمي في شكلها العام للغة صحيحة، بسبب محاولة فرضها من قبل تلك العمالة المنزلية علينا، وهكذا بدلا من أن نعلمهم لغتنا، نتعلم هذه اللغة الثالثة التي ربما انفرد بها المجتمع الحضري في دول الخليج العربية، وإلا ما معنى أن نجد هذه العمالة المنزلية تتحدث بلهجة المواطنين في البوادي والأرياف البعيدة عن المدن، وهو أمر يدل على إمكانية تعلم هذه العمالة اللغة العربية ولو بلهجتها المحلية، فذلك أرحم من هذه اللغة الثالثة التي أشرنا إليها. 

والأسوأ من ذلك أن تفرض بعض مؤسساتنا التربوية والتعليمية اللغة الإنجليزية في جميع مراسلاتها ومكاتباتها داخل وخارج المؤسسة، وهذا دليل ضعف، وتبعية مهينة تنتهجها هذه المؤسسات التربوية والتعليمية، مع أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة، ويفترض أن تتقيد بها حتى المؤسسات الأجنبية العاملة في مجال التربوية والتعليمية، فكيف تسمح مؤسساتنا الوطنية بممارسة هذا النهج رغم أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة.

 وتشكل وسائل الإعلام عاملا مهما في تكريس الضعف الذي ينتاب اللغة العربية، وقد وصل الأمر ببعض الفضائيات العربية إلى تقديم نشرات الأخبار باللهجة العامية، يضاف إلى ذلك ضعف مستوى اللغة المقروءة والمكتوبة التي تحفل بها وسائل الإعلام المختلفة.
أما الأخطار الخارجية التي تتعرض لها اللغة العربية من الخارج فهي معروفة، وتأتي في سياق التآمر على الأمة، ومحاولة طمس معالم هويتها، والنيل من منجزاتها الحضارية.

لهذه الأسباب ولأسباب كثيرة يدركها حراس اللغة من المهتمين بها في المجامع اللغوية والدارسين لها على المستوى الأكاديمي، لكل ذلك نقول، إن الندوة الفكرية عن (اللغة والهوية: دول الخليج العربية أنموذجا) إنما هي خطوة في الطريق الصحيح، للإسهام في محاولات إنقاذ اللغة العربية من الضعف، وحمايتها من التردي في التغريب وطمس الهوية، وهي ندوة جديرة بأن تتكرر على نفس المستوى وفي بلدان عربية أخرى، وهذه مسؤولية الجميع، على المستوى الفردي والمستوى المؤسسي ، بل وعلى مستوى الدولة بصفة عامة، لأن حماية اللغة.. هي مسؤولية قادة الأمة في كل مستوياتهم  وفق الله قيادة الأمة لحراسة دينها وحضارتها.
___________
الراية القطرية 16/2/2009م بـ"تصرف"

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة