- اسم الكاتب:د سلمان فهد العودة
- التصنيف:ثقافة و فكر
كان يهاتف صاحبه وبينهما آلاف الأميال، ووجد حافزا يقول له: لكي تثبت صدقك وصفاءك عليك أن تبتسم، وفعلا ابتسم ابتسامة واضحة، وبدا له أن أثر هذه الابتسامة سيظهر على طريقته في الحديث؛ لينتقل الأمر إلى الطرف الآخر، الذي سيشعر بالامتنان والسرور بأن شخصا يبتسم له بعفوية دون أن يراه!
" تبسمك فى وجه أخيك لك صدقة ". الترمذي وابن حبان .
بل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يترجم ذلك واقعا عمليا ؛ حتى قال عبد الله بن الحارث رضي الله عنه: ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما عند الترمذي وأحمد وغيرهما.
حتى في يوم مرضه الذي توفي فيه صلى الله عليه وسلم،لم تغب عنه الابتسامة فقد خرج عليهم وهم صفوف في الصلاة، فكشف ستر الحجرة، ينظر إليهم وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك .كما في البخاري ومسلم
وهو يؤسس بذلك لنوع من العطاء العاطفي الذي يتسامى على المادة، ويحلق في عالم الروح.
قال: السماء كئيبة وتجهما قلت: ابتسم، يكفي التجهم في السما
قال: الصبا ولى؛ فقلت له: ابتسم لن يرجع الأسف الصبا المتصرما
ولكن ؛ ليس المقصود بوجه أخيك أي: حين يراك؛ بل يشمل الرؤية أو التواصل الذي يمنح البسمة معنى جماليا رائعا؛ لتمسح الكثير من التوتر والجفاف، وتعيد العلاقة إلى شفافيتها وروحانيتها. يقول جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : ما حجبني النبي - صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي. رواه البخاري ومسلم.
هنا تصبح الابتسامة عادة، وقد ابتسم النبي -صلى الله عليه وسلم- لفضالة بن عمير، الذي جاء بخطة تستهدف قتله .
وهذا يتطلب تدريب عضلات الوجه على الابتسامة القوية، دون تردد أو خجل أو استنكاف، فثمت من يرى أن الابتسامة الدائمة علامة على نقص العقل والهيبة.
وآخرون يتكلفون حركة يسيرة لشفاههم، لا تكاد ترى لسبب يسير؛ هو أنهم لم يتعودوا
ولم لا يتدرب المرء ويجرب أن يبتسم بمفرده، أو يتذكر موقفا طريفا أو نكتة ثم يبتسم لها، وإذا لقي أحدا ابتسم دون حساب!
لا تستجمع أن بينك وبين الآخر الذي لقيته مشكلة؛ تحول بينك وبين ملاقاته بالبشر، أو أن ثمت خلافا منهجيا أو فكريا أو حزبيا أو مذهبيا أو تجاريا أو مدرسيا أو عائليا.. يجعلك تقتصد حتى في الابتسامة.
ولم لا يتدرب المرء على الابتسام وقد بدأ الأطباء في استخدامه كأساس لاستراتيجية علاجية، تقوم على استخدام تقنيات الاسترخاء من خلال تعلم طرق نفسية وتمارين خاصة.
فالابتسام يحفظ للإنسان صحته النفسية والبدنية، ويساعد على تخفيف ضغط الدم، وينشط الدورة الدموية، ويزيد من مناعة الجسم ضد الأمراض والضغوطات النفسية والحياتية، ويساعد المخ على الاحتفاظ بكمية كافية من الأوكسجين .
وتكرار الابتسامة يريح الإنسان ويجعله أكثر استقرارا، بل إن الابتسامة تقلل من حالات كثيرة من الاكتئاب التي يمر بها الإنسان .
وتفيد الابتسامة والضحك الخفيف في إرخاء العضلات وإبطاء إيقاع النبض القلبي وخفض التوتر الشرياني..
الابتسامة رسالة تعبر أولا عن شخصك، وأنك صاف من دون عقد، أو مشكلات أو كآبة.
والابتسامة تعبير عن تواصل مباشر، حتى قبل الحديث والسلام مع شخص تعرفه أو لا تعرفه، تفتح طرقات العلاقة، وتذلل صعوبات الاتصال، وتحقق المقصد الذي تأمله وترجوه منه.
هي بذاتها صدقة منك على نفسك، بتجردك من الكبر أو التعاظم، ورؤية الذات، أو الانقباض والتشاؤم.
وهي صدقة على الآخرين لأنك تمنحهم بها أنسا وسعادة ونفسا، خاصة حين تكون تعبيرا صادقا عما في قلبك لهم، وليست ابتسامة صفراء، أو ميكانيكية، أو معبرة عن غضب (ابتسامة المغضب) أو عتب أو موجدة..
ابتسم لأخيك حين تلقاه. وابتسم له حين يحدثك عبر الهاتف.
لتنتقل عدوى الابتسامة إلى الآخرين، ولتغدو العلاقة حبا وودادا ووفاء وحسن ظن، واستحضارا لعوامل الاتفاق ومشتركاته، بدلا من استحضار عوامل الاختلاف التي ما كان ينبغي لها أن تؤثر في قيمة الخلق الكريم الذي يتعامل به الإنسان مع أخيه الإنسان .