مغامرات المراهقين... هلاوس

7 1122

يعاني المجتمع العربي من انتشار العلاقات غير السوية بين المراهقين، وخاصة في أوساط طلاب المدارس والجامعات، ومن أخطر هذه العلاقات الزواج العرفي.

ففي الأردن أعلنت وزيرة التنمية الاجتماعية عن وجود 170 ألف حالة زواج عرفي بين طلبة الجامعات، رغم أن قانون الأحوال الشخصية الأردني ينص في المادة 279 على معاقبة كل من يجري عقد زواج بدون وثيقة رسمية؛ حيث يعاقب العاقد والزوجان والشهود بالحبس لمدة من شهر إلى 6 أشهر.

ونشرت مجلة (منبر السودان) أن هناك تزايدا ملحوظا في عدد المتزوجات عرفيا من طالبات الجامعة، فقد أثبتت الدراسات أن هناك 9620 طالبة سودانية متزوجة عرفيا؛ وذلك لعدم توافر مأوى أو سكن مريح لهن، إلى جانب عدم قدرتهن على توفير نفقات الدراسة.

وفي مصر تشير الدراسات إلى أن نسبة الزواج العرفي بين طلبة وطالبات الجامعات تجاوزت 20%، وتؤكد دراسات مركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن عدد المتزوجين عرفيا يفوق 400 ألف حالة في مصر، وأن هناك 15 ألف دعوى لإثبات البنوة من الزواج العرفي والزنا تنظرها محكمة الأسرة.

وتوضح دراسات المركز نفسه أن هناك 9800 عقد زواج يتم توثيقه سنويا في قسم الشرطة تصديقا على عقود زواج عرفي؛ حيث يقوم أهل الفتاة بتحرير محضر في قسم الشرطة يتهمون فيه الزوج باختطاف ابنتهم أو اغتصابها، ويقدمون ورقة الزواج العرفي، وهنا يضطر الزوج لتوثيق وإعلان زواجه خوفا من التورط في قضية اختطاف أنثى أو اغتصابها.

ويرى الخبراء أن من أسباب انتشار هذا الزواج في مصر الاعتراف القانوني بقبول دعوى الطلاق من الزواج العرفي، فقد ورد في المادة 17 من الفقرة الثانية "تقبل دعوى التطليق أو الفسخ إذا كان الزواج ثابتا بأية وثيقة كتابية".

وكذلك اعتقاد الكثير من الشباب من ناقصي الفهم في مجتمعاتنا بأن هذا الزواج صحيح شرعا ولكن ينقصه التوثيق، رغم افتقاده أركان الزواج الصحيح مثل وجود ولي الزوجة، يضاف لذلك اعتبار الشباب أن الزواج العرفي طريق سهل لإشباع الرغبات، فبمجرد ورقة يوقع عليها شاهدان عادة من زملاء الجامعة أو الأصدقاء يصبح الفتى والفتاة زوجين، لهما كل حقوق الزوجية من وجهة نظرهما، دون النظر للعواقب الوخيمة التي تتربت على مثل هذه العلاقات، ومنها قضايا إثبات النسب التي تؤرق المحاكم المصرية وإهدار حقوق الزوجة المعنوية والمادية وتدني النظرة المجتمعية لها.

ويؤكد هؤلاء الشباب أن هناك ضغوطا قوية تدفعهم- وخاصة في سن المراهقة في المدارس والجامعات- إلى هذه العلاقات السرية، منها الاختلاط في هذه الأماكن، وصعوبة الزواج الشرعي وارتفاع تكاليفه بشكل لا يقدرون عليه، إلى جانب ضعف الوازع الديني، وغياب الرقابة الأسرية، وتأثير أصدقاء السوء على الشباب والبنات.. يضاف إلى ذلك عامل خطير، وهو سقوط المراهقين ضحايا لما تبثه وسائل الإعلام وخاصة السينما، وما تقوم به الفضائيات من إثارة للشباب الذي يفقد أغلبهم القدرة على الصبر والتحمل، فيلجأون إلى الزواج السري بصوره المختلفة.

قصص مأساوية
ومن اللافت للنظر أن الزواج العرفي رغم ما يسببه من كوارث وخاصة بالنسبة للفتيات إلا أنه منتشر بين طلاب المدارس الإعدادية والثانوية المختلطة، والتي وقعت بها قصص مأساوية، وأبطالها مراهقون، سقطوا في شباك الزواج العرفي، وانتهى مصيرهم إلى صفحات الحوادث وإلى أقسام الشرطة، ومن ذلك:

قيام (ع. أ) طالبة بالمرحلة الثانوية (ابنة ميكانيكي) بطعن زوجها (م . س) صبي ميكانيكي يعمل عند والدها بطعنة في البطن كادت تودي بحياته، وقامت بعدها بتسليم نفسها لقسم شرطة العمرانية، واعترفت بجريمتها وأنها حاولت قتل زوجها لأنه أوهمها أنه يحبها وشجعها على الهرب من أهلها، والإقامة معه في شقة بالإيجار، وقاما بتحرير ورقة زواج عرفي احتفظ بها الشاب، وظلت معه في هذا الوضع إلى أن شعر المراهق بالملل منها، فقام بإحضار فتاة أخرى هاربة لتقيم معه، فنشبت مشاجرة كبيرة بينهما، وخاصة بعدما رفض الشاب إعلان زواجهما أو الاعتراف بالحمل الذي في أحشائها.. شعرت الفتاة بالذل والضياع، فخرجت عن وعيها وطعنته بالسكين!!

وبأحد الأقسام بمنطقة الدرب الأحمر تم عقد قران (أ) طالبة بالإعدادية على (أ) طالب بالمرحلة الثانوية بعد أن تقدم والد الفتاة ببلاغ للقسم، اتهم فيه الطالب بالاعتداء على ابنته، وقدم الطالب ورقة زواج عرفي، وتم توثيق عقد زواج رسمي لهما في القسم؛ حيث اتجه كل من الزوجين بعد ذلك إلى منزل أسرته، فكل منهما طالب ينفق أهله عليه!!

وكذلك هروب (ص . ع) طالبة ثانوي (ابنة أستاذ جامعي ووالدتها طبيبة مشهورة) مع نقاش حاصل على دبلوم تجارة كان يبيض لهم "فيلتهم"، فوقعت الطالبة في غرامه، وقررا الهرب والزواج عرفيا، فتقدمت أسرتها ببلاغ لقسم الشرطة، اتهمت فيه النقاش باختطاف ابنتهم، وأمام المأمور اعترفت الفتاة أنها لم تختطف، وأنها تزوجت النقاش عرفيا بإرادتها.

أحدث صيحة
ورغم الانتشار المخيف للزواج العرفي بين المراهقين من طلبة المدارس والجامعات، إلا أن المتابع لأحوال وأقوال الطلبة يتأكد أن هذا النوع من الزواج أصبح موضة قديمة، فقد ظهرت أساليب جديدة ابتكرها الشباب، مثل زواج الكاسيت؛ حيث يقوم كل من الشاب والفتاة بتسجيل صيغة الزواج على شريط كاسيت، وهكذا وبكل بساطة تنتهي مراسم الزواج.

أما زواج الوشم فهو أسلوب غريب؛ حيث يتجه الشاب والفتاة إلى أحد مراكز الوشم، ويقومان باختيار رسم معين يرسمانه على ذراعيها أو على أي مكان بجسدهما، ويكون هذا الوشم بمثابة عقد زواجهما.

ومن زواج الوشم إلى زواج الدم، وهو حيلة ابتكرها الشباب أيضا، في محاولة لإضفاء الشرعية على علاقاتهم الخاطئة؛ حيث يقوم كل من الشاب والفتاة بجرح أصبع اليد وتركه ينزف وعندما يختلط دم الشاب بدم الفتاة فإن ذلك بمثابة عقد الزواج بينهما!!

ومن هذه "الهلاوس" أيضا التي اخترعها الشباب زواج الطوابع؛ حيث يتفق الشاب والفتاة على الزواج، فيقوم الشاب بشراء طابع بريد عادي ولصقه على جبينه، وبعدها بدقائق تقوم الفتاة بلصق طابع مماثل على جبينها، وبذلك تنتهي مراسم الزواج، ويسعى الأصدقاء بعد ذلك لتوفير مكان أو شقة للعروسين.

تمزق نفسي
وتحذر د. رضا إسماعيل- أستاذة الصحة النفسية بجامعة الأزهر- الشباب والفتيات من حالة التمزق النفسي والانهيار التي تصيبهم إذا قاموا بمغامرة عاطفية غير مضمونة بعيدة عن الإطار الشرعي للزواج.

وتقول- محذرة الفتيات بالذات-: إن معظم الشباب ينظرون إلى هذه العلاقات على أنها مجرد تسلية لتضييع الوقت، في حين أن الفتاة بحكم تكوينها العاطفي الفطري سرعان ما تصدق ذلك وتتعلق بقصص حب وهمية، وتتألم إذا ابتعد عنها الشاب أو قاطعها، ولا تستطيع النوم، وتهمل دراستها وعملها، وتتأثر علاقتها مع الله جراء التفكير المستمر، ثم يلي ذلك الصدمة النفسية التي تصيبها عندما تكتشف غدر هذا الإنسان وخداعه لها، وتظل الفتاة تسدد ضريبة هذه المغامرة من نفسيتها المدمرة ومن كرامتها وسمعتها وسمعة أهلها، ومن إحساسها الديني بالذنب، ثم إحساسها أنها كانت مجرد لعبة أو تسلية في يد شخص عديم الدين والخلق، ولذلك على الشباب والبنات أن يحذروا بدء أي علاقة قبل الخطوة الرسمية (الخطبة)، وخاصة مع انتشار الانحلال الأخلاقي والزواج العرفي.

وتفسر د. ابتسام عطية- أستاذة التربية بكلية البنات بجامعة عين شمس- انتشار العلاقات قبل الزواج بين الشباب بأن هذا الجيل المظلوم يعاني من مشكلة مزمنة وهي العنوسة، وتأخر سن الزواج وعدم قدرة الشباب أن يعف نفسه، ويحقق إشباعه العاطفي بالزواج المبكر؛ نظرا لانتشار البطالة والمغالاة في المهور وحالة الفقر التي يعانيها المجتمع كله؛ ونتيجة لافتقاد الشباب للإشباع المشروع ومع قوة هذه الاحتياجات وضعف الوازع الديني، وضغط الإعلام وتلاعبه بأوتار الغريزة، بما يقدمه من أفلام وأغان يتجه الشباب تحت هذه الضغوط الشديدة إلى هذه العلاقات الخاطئة دون النظر إلى العواقب الوخيمة التي تصيب الفتاة بالانهيار النفسي الكامل؛ لأنها بحكم تكوينها النفسي والعاطفي والجسدي أضعف من الشباب الذي يصاب عادة بمرض الشك وافتقاد الثقة في كل من حوله من البنات.

وتشدد د. ابتسام على أهمية دور الأسرة والمسجد في تزويد البنات والشباب بالجرعة الإيمانية التي تحميهم من الانزلاقات والانعطافات الخطيرة، إلى جانب ضرورة توافر الحوار الأسري والصداقة بين الأم وأولادها؛ حتى تتمكن من مساعدتهم في اجتياز أي أزمة عاطفية أونفسية يمرون بها.

خسارة دينية
وتناشد د. آمنة نصير- الأستاذة بجامعة الأزهر- كل شاب وفتاة أن يحترم تاريخ حياته حتى يرتبط بزوجة أو زوج المستقبل، وأن يرفضوا أي علاقة لا تتفق مع الشريعة وأحكامها؛ لأننا كمجتمع شرقي مهما تقدمنا ماديا وحضاريا فلا يمكن أن نقبل ما يخالف شريعتنا، وستظل كرامة الفتاة والشاب في التمسك بالآداب الإسلامية.

وتلفت نظر الأسرة إلى ضرورة القيام بدورها في تربية البنت والشاب حتى تجنبهم تكوين علاقات منفلتة نهايتها الدمار النفسي والأخلاقي، وقد نهى الشرع الحنيف عن هذه العلاقات لخطورتها على الفرد، إلى جانب أنها تلوث المجتمع الإسلامي النظيف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحقيق: فاطمة عوض

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة