![اضطرابات نفسية يسببها تطبيق أنستجرام للمراهقات](/PicStore/Random/1739858617_243430.jpg)
اضطراب تشوه الجسد، الهوس بالجسم المثالي، اضطرابات الأكل، الاكتئاب، القلق، الشعور بالنقص، انعدام الرضا النفسي، عدم تقدير الذات... كلها اضطرابات نفسية ناتجة عن إفراط الفتيات ـ وخاصة المراهقات ـ لوسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيق أنستجرام على وجه التحديد، كما أثبتت كثير من الدراسات.
اقتحمت وسائل التواصل الاجتماعي حياة المراهقين واليافعين بصورة مخيفة، ولم يعد المحتوى اللاأخلاقي فقط هو ما يشكل الخطورة على قيمهم وأخلاقهم فحسب، بل تعدى ذلك إلى إحداث أثر نفسي سلبي خطير يهدد سواءهم النفسي، ويعرضهم لاضطرابات وأمراض نفسية قد تودي بهم إلى مشارف الهلاك الحقيقي، لذا وجب على الوالدين أن ينتبها جيدا لمثل هذه الأثر الخطير والتعاون مع المؤسسات المعنية لمواجهته.
وعلى الرغم من الإيجابيات التي حصل عليها اليافعون من استخدام هذه المنصات، والتي منها توفير التواصل مع الآخرين وتسهيله، ووجود مساحات للتعبير عن الذات وإبداء الرأي، إلا أن السلبيات النفسية والاجتماعية الأخرى التي يجنيها أبناؤنا من عدم ترشيد استخدامها لا تقارن بهذه الإيجابيات.
في نوفمبر 2017 أقدمت فتاة بريطانية تبلغ من العمر 14 عامًا على الانتحار، وأكد الطبيب الشرعي الذي تولى قضيتها في لندن أن المحتويات التي شاهدتها الفتاة "مولي راسل" على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها أنستجرام "لم تكن آمنة" و"ما كان ينبغي أن تكون في متناول أي طفل على الإطلاق"، بينما قال والد الفتاة إنها تعرضت لمحتويات كثيرة تتحدث عن الانتحار والاكتئاب وإيذاء النفس.
وهذه القضية أثارت ضجة كبيرة في بريطانيا في ذلك الوقت وطالب ناشطون على إثرها بترشيد وتنظيم استخدام الأطفال والمراهقين لأنستجرام وغيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي.
لماذا الحديث عن أنستجرام؟
يتميز أنستجرام على وجه الخصوص عن غيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي بأنه موقع لنشر الصور في الأساس، وبناءً على ذلك يتسابق الجميع في نشر لحظاته السعيدة من خلال التقاط الصور التي أصبحت تظهر الآن بصورة احترافية نظرا لانتشار الهواتف الحديثة بإمكاناتها الفائقة في التصوير وإنتاج مقاطع الفيديو، ونتحدث هنا عن نشر اللحظات السعيدة حصرًا والتي تضم الرحلات الصيفية، والإنجازات المهنية، والروتين اليومي الذي يتضمن ممارسة الرياضة وتناول الطعام والمشروبات والقهوة في المطاعم الفاخرة وما إلى ذلك، فلا أحد من مستخدمي أنستجرام ينشر لحظاته الحزينة أو مواقفه الفاشله، بل كلها محتويات نجاح وسعادة وفرح، في الوقت الذي قد لا يعبر هذا عن الوضع الحقيقي أو الطبيعي اليومي للشخص، بل ربما يعيش حياة تعيسة يلتقط منها مشهدا مبهجا وحيدا ليركز عليه ويضعه في صدارة المشهد.
هذا هو الجانب المشرق في الموضوع، إلا أن هناك جانبًا قاتمًا يتعلق بالمتابعين، فالمشاهدة المستمرة من قبل الفتيات لهذه الجوانب المشرقة من حياة الآخرين لها عدة سلبيات تتلخص في الآتي:
1- البائسة الوحيدة على ظهر الكوكب:
المتابع لصفحات المؤثرات أو (الأنفلونسرز) الإناث، يجد منهن اهتماما بالأزياء والموضة والزينة، وهذا مع ما فيه من أضرار إلا أنه يحمل بعدا إفساديا نفسيًا آخر، وهو التأثير العكسي على المتابِعات، فالفتيات الصغيرات حينما ترين الصفحة الرئيسية للتطبيق وهي زاخرة بمظاهر السرور والسعادة والاستمتاع المبالغ فيه بالزينة والرحلات والملابس والتسوق، يبرمج عقلها اللاواعي بصورة مباشرة أن جميع الناس حولها سعداء، وأنها هي البائسة الوحيدة على ظهر هذا الكوكب، وخاصة إن كانت حالة أسرتها الاقتصادية ضعيفة أو متوسطة، فبدلا من أن تتسبب مشاهدة مظاهر السعادة تلك في مزيد من الفرح للفتاة المتابعة؛ يكون تأثيرها عكسيًا، فتتأثر الفتاة سلبا وتصاب بالحزن، وتبدأ علامات الاكتئاب في الظهور عليها شيئا فشيئا حتى تصاب به بصورة كلية.
والمفارقة هنا أن بعضا من المتابعين لديهم وعي ومعرفة أن هذه الصور المنشورة على أنستجرام هي صور معبرة عن واقع زائف، ورغم ذلك فإن تأثير اللاوعي هنا أقوى من تأثر العقل الواعي، فيتناسى العقل في لحظات كثيرة هذه الحقيقة ليعود إلى ما تمت برمجته عليه من أنه التعيس الوحيد هنا.
2- اضطراب تشوه الجسد والهوس بالجسم المثالي:
غالبية الصور المعروضة على تطبيق انستجرام تُستخدم فيها الفلاتر لتحسينها وإخفاء العيوب منها، فعن طريقها تستطيع الفتاة تنحيف نفسها، وتصغير أنفها، وتوسيع عينيها، وتضخيم شفتيها، وتبييض بشرتها وإخفاء البقع منها، لذا تظهر صورة الفتاة على أكمل وجه من حيث تناسق الجسد وجمال الوجه والملامح، وهنا تقارن الفتاة المتابِعة بين جسدها وجسد الأخريات اللاتي ترى صورهن على أنستجرام، وتتعاظم حينها في عينيها عيوب جسدها ووجهها، فترى نفسها بدينة وليست في نحافتهن، ولا تملك مقومات الجمال التي لديهن، في حين أن هذا كله زائف، لكن عقلها لا يستوعب ذلك، فتصاب بما يسمى في علم النفس اضطراب تشوه الجسد أو كثير من أعراضه، والذي يعني عدم توقف المصاب به عن التفكير فيما يتصوره عيوبًا في جسده، رغم كونها عيوبًا بسيطة قد لا يلاحظها الآخرون. وهذا من شأنه أن يتسبب ـ إذا استمر لفترة طويلة ـ في حدوث الاكتئاب، وربما يؤدي بالفتاة الى الانتحار عياذًا بالله.
3- ميدان للتنافس في عرض الأجساد:
ما ذكرنا في النقطة السابقة تسبب بصورة تدريجية إلى تحول هذا التطبيق إلى ساحة للتنافس في كشف العورات وعرض أجساد الفتيات، وهذا بُعد لا أخلاقي كبير أسهم بصورة شاذة في حالة التفلت التي تشهدها كثير من الدول الإسلامية والعربية. ونشير هنا إلى أن ذلك لا يحدث بطبيعة الحال بصورة مفاجئة، وإنما تتدرج الفتاة شيئا فشيئا فيه حتى تصل إلى هذا الوضع، فالغيرة التي تنشب في قلب الفتاة مما تراه من نشر الصور والمقاطع لفتيات في مثل سنها أو قريبا منه تشجعها على نشر صورها لتنافسهن في هذا العرض المبتذل، ثم يتدرج الأمر بفلترة الملامح والجسد، ثم خلع الحجاب وإظهار الشعر، ثم لبس الملابس الجريئة التي قد تظهر العورات، وهكذا حتى نصل إلى ما لا تحمد عقباه. فهذا ميدان واسع للتنافس المذموم تحركه نوازع في غاية الشر والرغبة في التدمير والفساد الأخلاقي.
4- عقدة النقص والشعور بعدم الامتنان للأسرة:
تطبيق أنستجرام يعطي انطباعا للمراهقات بأن الحياة لابد أن تكون سهلة، وأن الفخامة حق للجميع، مثلما يرين على صفحات التطبيق في صور وفيديوهات من يتابعنهن، وهذا ولّد لدى المراهقات شعورا بالنقص، وأنه مهما كانت حياتهن زاخرة بالنعم إلا أن هناك دائما شيئا ينقصهن، فهن يرين بصورة مستمرة ودائمة يوميا صورا لأناس تستمتع بحياتها على مدار الساعة، ما بين المقاهي الفاخرة والنزهات المرحة والمطاعم الأنيقة والملابس الزاهية والمكياج الباهظ الثمن وأدوات الزينة، فالعقل اللاواعي لا يستوعب هنا أن هذه الأحوال لا تحدث بهذه الاستمرارية، أو أنها قد تحدث لكل واحدة من هؤلاء مرة أو مرتين في الشهر أو حتى في العام، لكن تزاحم هذه الصور أمام العقل يضفي عليها صفة الاستمرارية، فتتسخط الفتاة على وضعها مهما كان جيدا وتتولد لديها حالة من عدم الرضا النفسي وعدم الامتنان لوضعها الجيد وتتطلع لمثل هذا الوضع الافتراضي غير الواقعي.
5- تدهور تقدير الذات والشعور بتدني القيمة:
حينما تبدأ الفتاة في نشر صورها أو لحظاتها السعيدة على أنستجرام بالذات بصورة مفرطة، ويبدأ التفاعل معها بالثناء على جسدها وجمالها فإنها تبدأ الخطوة الأولى في تدمير تقديرها لذاتها، لأن اعتمادها على تقديرها لذاتها ارتبط هنا بمدح الآخرين لها، لا سيما رواد ومتابعي هذه المنصة الافتراضية، وصارت تتغذى الآن على هذا المدح، فلم تعد كفاءتها أو نجاحها أو مدى تحقيقها لإنجازاتها في الحياة هي المعيار الحقيقي لتقدير الذات بقدر ما صار هذا الامتداح ـ الذي غالبًا ما يكون زائفًا ـ هو المعيار، وحينها تبدأ الفتاة في الاعتماد على هذه التفاعلات الافتراضية -الوهمية غالبًا- لتصبح هي المصدر الرئيسي الذي يعطي الفتاة قيمة في الحياة. لذا تتحول في هذا الوقت مجالات النجاح الحقيقية إلى الهامش، فيتقلص حجم الحياة الاجتماعية، والدراسة، والموهبة، والقيم والمبادئ، في حياة الفتاة، وتطغى عليها هذه التفاعلات الافتراضية فتطغيها وتحولها من كائن اجتماعي إلى أَمَة للإعجابات والتعليقات المادحة.
وأخيرًا.
ليس معنى ما ذكرنا من سلبيات لوسائل التواصل الاجتماعي ـ وعلى رأسها أنستجرام ـ أنها خالية من الإيجابيات كما ذكرنا آنفًا، إلا أن تعريض الأطفال والمراهقين ـ وخاصة الفتيات ـ لهذه الفتنة الكبيرة بلا ضابط أو معايير للمشاهدة في سن صغيرة هو بمثابة إلقاء لهم في التهلكة، فليس لدى الطفل القدرة على فلترة ما يراه على هذا التطبيقات وتحديد المناسب له، بل حتى الكبار أحيانا لا يستطيعون التفرقة بين ما هو مناسب وما هو غير مناسب، لذا فإن تأخير التعرض لهذه الوسائل هو أسلم طريق حتى تتكون القدرة لدى الطفل أو الفتاة لتمييز المناسب من غيره.