لا.. للاختلاط

25 1167

"إن الشباب الأمريكي مائع ومترف وغارق في الشهوات، ومن بين كل سبعة شباب يتقدمون للتجنيد منهم ستة غير صالحين؛ وذلك لأننا سعينا لإباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة بصور مستهترة؛ مما أدى إلى انهماكهم في الشهوات".

بعد أن تقرأ هذه الكلمات وقبل أن تظن أن هذا كلام رجل متزمت كاره للحضارة الأمريكية وناقم على الغرب أقول لك إن هذه الكلمات قالها رئيس أمريكا "جون كنيدي" نفسه حاكما على شباب بلده ناعيا على الاختلاط الذي آل بهم هذا المآل.

وقد كان له كل الحق فيما يقول فقد بلغ من بلايا الاختلاط في تلك البلاد المتحضرة ما ذكرته إحدى المجلات هناك: أن نسبة التلميذات الحوامل في المدارس والجامعات في بعض المدن بلغت 48 %. مما حدى بالإدارة الأمريكية أن ترصد في عام 2002 ما يزيد على ثلاثمائة مليون دولار؛ لتشجيع التعليم غير المختلط.

هذا الكلام ربما يكون صادما لدعاة الاختلاط في بلادنا الآخذين عن الغرب أسوأ ما عنده بدعوى أنهم أهل التقدم والرقي، وحتى نزيد القوم صدمة نقول إن هذه الشكوى من الاختلاط قد عمت الغرب المتفتح كله أو غالبه..

ففي بريطانيا مثلا: أكدت النقابة القومية للمدرسين، في دراسة أجرتها: أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحا، وأن استخدام الفتيات لحبوب منع الحمل يتزايد بكثرة عند الطالبات. وكاد عدد المواليد غير الشرعيين في عموم بريطانيا أن يصل إلى نصف العدد الإجمالي للمواليد في البلد.

 وفي أستراليا: أجريت دراسة على مائتين وسبعين ألف طالب وطالبة، تبين فيها أن طلاب التعليم غير المختلط تفوقوا سلوكيا وأكاديميا على طلاب التعليم المختلط.

وهذا مثال ولو ذهبنا نستقصي لأتينا بالعجب العجاب.

لقد آثرت أن أقدم بهذه المعلومات والوقائع بين يدي حديثي عن موضوع الاختلاط حتى نتعلم من الآخـر وتجاربه فلا نلدغ من نفس الجحر الذي لدغوا منه. والسعيد من وعظ بغيره، ومن لم يكن له من غيره واعظ لم تنفعه المواعظ.

لقد جاءت شريعة الإسلام هداية للبشر، ورحمة بالخلق، وصيانة للأخلاق، وسعت إلى إيجاد مجتمع محافظ طاهر عفيف، لا تهاج فيه الشهوات، ولا تثار فيه النزوات، وكان منع الاختلاط واحدا من التشريعات التي وضعها العليم الخبير حفظا للعفة وصيانة للكرامة وإصلاحا لنفوس الخلق الذين لا يعلم ما يصلحهم إلا خالقهم سبحانه: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".

 ولقد وضع الشرع الحكيم تشريعات علتها كلها وغايتها منع الاختلاط بين الجنسين فمن ذلك: فرض الحجاب على النساء، والنهي عن الخلوة بهن فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، ونهى عن الدخول عن النساء والخلوة بهن فقال إياكم والدخول على النساء فقالوا أرأيت الحمو (وهو قريب الزوج) قال الحمو الموت"، ونهى النساء أن يحققن الطريق (أي يمشين في وسطه مختلطات بالرجال)، فقد رأى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يوما ازدحام الرجال مع النساء فيها، فوجه خطابه للنساء: ((استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق))، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. وحتى في الصلاة جعل خير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها لزيادة الفاصل بينهما. إلى آخر ذلك من التشريعات والأمور التي لا تخفى على ذي لب.

وكل إنسان عاقل يعلم أن هذا الأمر الحكيم بالفصل بين الجنسين ـ ما أمكن ـ إنما هو مقتضى العقل السليم والفكر القويم والفطرة الطاهرة. فها هي حقائق الواقع، ودلالات الأرقام ودروس الأيام، وتجارب الدول - تحدثنا بلسان الحال: أن الاختلاط هو البوابة الكبرى التي دلفت منها ألوان الشرور على المجتمعات. وأن الاختلاط بريد السفور، وطريق  الفجور، وعمل غير صالح، فيه جناية على الرجل، وعلى المرأة، وعلى الأسرة، بل والمجتمع بأسره. وأنه متى حل في المجتمعات مرضت القلوب، وفسدت الأخلاق، وانتزع الحياء، وضعفت القوامة، وانطفأت الغيرة، وانتشرت المحرمات والموبقات، وفشت حالات الإغراء والابتزاز. مع انتشار الفواحش والشذوذ والخطف والاغتصاب وغيرها من جرائم الجنس وما يتعلق بها.

 ودعاة الاختلاط إنما هم كالأعور الذي لا ينظر إلا بعين واحدة عندما يأخذون عن بعض الغربيين الدعوة لحرية الاختلاط والتقاء الرجال والنساء والشباب والبنات، ولا ينظرون إلى الفريق الآخر الذي يحذر من العواقب الوخيمة التي لحقت بمجتمعاتهم جراء هذا السفور وذاك الاختلاط. وهم كالأعمى (أو المتعامي)  حين لا يرون عواقب ذلك وآثاره في محاضنه ومواطنه ويصرون على نقل ذلك إلينا ويدعوننا إلى استيراده منهم.

إن أولئك الزاعمين أن الاختلاط لا يؤثر، وأن التربية تحمي الإنسان من الانزلاق، كل هذه مكابرات، وكل هذه مغالطات. فإن الاختلاط لم يكن يوما عند أهله داعيا إلى تهذيب الأخلاق وضبط الهاجس الجنسي والغلمة عند الفريقين ذكورا وإناثا، كما يدعي هؤلاء المغرضون، وإنما الواقع يدل على زيادة السعار الجنسي عندهم وزيادة عدد الأمهات الصغيرات القاصرات، وارتفاع عدد حوادث الاختطاف والاغتصاب، ناهيك عن شيوع الجنس والعلاقات المحرمة والآثار الناجمة عنها من انتشار الشذوذ وزيادة عدد اللقطاء وأولاد الزنا، وفشو الأمراض الرهيبة التي تفتك بأجساد أصحابها وأموال الدول، والكثير منها لا علاج له ولا برء منه؛ عقابا لهم على معاندتهم للفطرة السوية قبل تركهم لشرع رب البرية.

ليس عيبا على الأمة أن تحافظ على شرفها وكرامتها، ليس عيبا عليها تمسكها بدينها، ليس عيبا عليها ثباتها على أخلاق إسلامها، مهما قال الأعداء ومهما تفوهوا، فهم لن يرضوا عنا إلا بمفارقة هذا الدين والعياذ بالله، {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} [البقرة: 120]، {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} [النساء: 89]. 

إنما العيب أن نترك الهدى إلى الضلال، والحق إلى الباطل، والطهر إلى العهر، والنقاء إلى القذارة، والغيرة إلى الدياثة والعفاف إلى الإسفاف .

العيب أن نترك صراط الله المستقيم ونوره القويم لنسير في طرق الضلال وسبل أهل الجحيم .. بسم الله الرحمن الرحيم: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة