- اسم الكاتب:الشيخ عائض القرني
- التصنيف:قضايا شبابية
فتح على بعض الناس باب تصعيب دخول الجنة على عباد الله، فكأن مفاتيح الجنة في جيبه يدخل من يشاء ويمنع من يشاء، وكأن صكوك الغفران في يده، يرحم من يشاء ويعذب من يشاء.
فإذا وجد العصاة بشرهم بالنار، وأقسم عليهم أن لا يدخلوا الجنة، وإذا ذكر له الطائعون، شكك في طاعتهم وذكر عيوب أعمالهم، وإذا سمع نصوص الرحمة، لم يمرها على ظاهرها وإنما يؤولها، حتى إني سمعت بعضهم يشرح أحاديث تكفير الذنوب، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة غفرت ذنوبه وإن كانت كزبد البحر، فقال معلقا على الحديث: الحديث ليس على ظاهره، ولا تكفر كل الذنوب ولا الكبائر، وهناك شروط في تكفير الذنوب لم تذكر في الحديث ؛ وكأنه يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولما ذكر حديث من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة، قال معلقا: الحديث ليس على ظاهره، وهناك شروط وفرائض وموانع لا بد من اجتماعها حتى يجرى الحديث على ظاهره ؛ وقائل الحديث هو النبي المعصوم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، أعرف الناس بمدلول اللغة، وأعلم الناس بمراد ربه عز وجل، وأتقى الناس وأخشاهم لمولاه تقدس اسمه.
وهكذا تستمر هذه الطائفة لتصعيب دخول الجنة، حتى لا يثق الطائع بطاعته، ولا يتوب العاصي من معصيته، فلا يذكرونه بالتوبة ولا برحمة أرحم الراحمين، فإن جاء نص في الوعيد أجروه على ظاهره، وزادوا عليه كقوله صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة نمام، قالوا: معنى الحديث أن النمام خالد في النار محرم عليه دخول الجنة، وهذا ليس مقصود الحديث.
وإذا أتت بشرى بالمغفرة والرحمة في آية أو حديث، غيروا المعنى وأفسدوا الفرحة بالبشرى، وهذا المسلك الخطير في تصعيب دخول الجنة يورث اليأس والقنوط والإحباط عند كثير من الناس، حتى يقول بعضهم: ما دام أننا إذا تبنا لا يقبل منا، وأن أعمالنا الصالحة مدخولة بالرياء والسمعة، فما الفائدة من طاعتنا إذا كنا هالكين أصلا؟
وجدت شبابا محبطا، صعب عليهم بعض الوعاظ التوبة ودخول الجنة، فأصبحوا يرددون: ما الفائدة من دعائنا ومن صلاتنا وقد تلوثنا بالخطيئة وتلطخنا بالذنب؟
ووجدنا من أصابه الوسواس من كثرة خوفه، لأنه استمع إلى مواعظ قاتلة، وخطب تهديدية حماسية تتوعد العصاة بنار تلظى، ولا تفتح لهم باب الأمل ولا الرجاء برحمة الله.
والسؤال: من الذي رشح هذه الطائفة المتعنـتة في الدين، المتنطعة في الشريعة، لتحكم على الناس بدخول الجنة أو الحرمان بدخولها؟ من الذي فوضهم بتفريغ النصوص من محتواها ؟ فنصوص الرحمة عندهم لها معنى آخر غير مراد من ظاهرها، ولها باب باطن تدل عليه نصوص أخرى، ونصوص العذاب والوعيد تجرى على ظاهرها، ويزاد عليها، ويجمع معها نصوص أشد منها، فإذا ذكرتهم بالحديث الصحيح عند مسلم، " عن أبي ذر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: بشرني جبريل أنه من مات من أمتك يشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فهو من أهل الجنة، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق ؟ قال صلى الله عليه وسلم: وإن زنا وإن سرق، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق ؟ قال: وإن زنا وإن سرق، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وإن زنا وإن سرق على رغم أنف أبي ذر" ؛ فإذا سمعوا هذا الحديث جعلوا له تأويلا يخالف ظاهره.
لماذا لا نكون مع نصوص الكتاب والسنة بين الخوف والرجاء؟ ولماذا لا نكون على ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: الفقيه كل الفقيه من لم يؤمن الناس من مكر الله، ولم يقنطهم من رحمة الله؟ وهذا هو منهج أهل العلم والإيمان، فإن الله جمع في كتابه بين الخوف منه والرجاء في رحمته فقال: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم (49) وأن عذابي هو العذاب الأليم (50) (الحجر 49 – 50 ).