- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:قضايا شبابية
لكل منا نقطة ضعفه التي يتسلل منها الشيطان إلى قلبه لينقل إليه العدوى ويبث النجوى، وهي تختلف من مريض لآخر، لكن الحاذق اليوم هو من عرف نقطة ضعفه، وابتعد عن كل ما يوصل إليها، فإن كانت نقطة ضعفه النساء سعى في شغل فراغه وتجنب أماكن الاختلاط والتبرج.
وإن كان انهياره في الخلوة في مواجهة الذنوب؛ حرص على الذوبان في مجتمع الصالحين وعدم التفرد ما استطاع إلى أن تقوى مناعته.
وإن كانت نقطة ضعفه شرهه في جمع المال زار من هو أفقر منه وعاد أصحاب الأمراض المستعصية حتى يعتبر، وبهذا يغلق الباب أمام تفاقم المرض، بل يشفى منه بمرور الوقت بإذن الله.
إن معرفة نقطة الضعف هي نصف الطريق إلى الشفاء؛ ولذا كان من جميل الدعاء: اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.
فالمشاكل العويصة تحل بمعرفة الحق أولا، ثم بامتلاك الطاقة النفسية والقوة الروحية لاتباع هذا الحق، فإن عرفت نقطة ضعفك فقد قطعت شوطا طويلا في طريق العلاج، وكثير من الناس لا يعرف عيبه، ومنهم من يعرف ويجادل عنه أو ينفيه وكأنه تهمة، وليس هذا من سمات المؤمنين في شيء، فإن صاحب القلب الحي يفرح بمن أهدى إليه عيوبه، ويتخذ صاحبا يحصي عليه، ويلح على من يخالطه في أن يرشده إلى نقائصه.
وقد يقوى المرء في جانب ويضعف في آخر، وقد يعرف نقطة ضعفه وقد لا يعرفها، وليس غير التجربة خير برهان، ولذلك لما اختلف الناس في أيهما أزهد عمر ابن عبد العزيز أم أويس القرني؟ قال أبو سليمان الداراني: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس القرني، لأن عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزهد فيها، ولا ندري حال أويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟ ليس من جرب كمن لم يجرب.
ونفس الرأي نطق به مالك بن دينار حين قال: يقولون مالك زاهد، أي زهد عند مالك وله جبة وكساء، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فاغرة فاها فتركها.
عرض الفتن على القلوب
وقد سبق وأن أرشدك نبيك (ص) إلى أهمية معرفة نقطة الضعف حين قال: تعرض الفتـن على القلوب عرض الحصيرعودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء؛ حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه.
والإتيان بالفعل تعرض بصيغة المضارع دلالة على أن العرض مستمر طيلة الحياة لا ينتهي حتى تنتهي أنت إلى قبرك، لكن الفتن تختلف؛ ففتنة الشباب غير فتنة الشيوخ؛ لأن شهوة النساء مثلا في قلوب الشباب أقوى، وطول الأمل والحرص في قلوب الشيوخ أبقى، فلكل عمر فتنته، وقد يصمد الرجل أمام فتنة سنين؛ فإذا كان آخر عمره هوى فيها، بل ولكل جنس أيضا فتنته، ففتن الرجال غير فتن النساء، بل لكل زمن فتن، والشيطان في كل الأحوال ملحاح لا يدع المحاولة مع أي أحد وفي أي عمر كان.
ومعنى عودا عوداأى تعاد وتكرر مرة بعد مرة؛ لذا أوردها النووي في رواية بلفظ عودا عودا، ومعنى عرض الحصير أي كما ينسج الحصير عودا عودا، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودا أخذ آخر ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدا بعد واحد، فمن القلوب من يشرب هذه الفتنة، ومعنى أشربها أي استسلم لها حتى دخلت فيه دخولا تاما وحلت منه محل الشراب، ومنه قوله تعالى (وأشربوا فى قلوبهم ٱلعجل )[البقره: 93] أي حب العجل.
وأمام هذا السيل المنهمر الذي تتابع على القلب يسود القلب، ويظل يهوي وينتكس ويذوي ويرتكس حتى يصبح كالكوز مجخيا أي مقلوبا، وهل يبقى في الكوب المقلوب شيء؟ وكذلك هو لا يبقى ولا يثبت فيه أي خير، ومعنى آخر لقوله منكوسا أي تنقلب عنده حقائق الأمور، فيرى الباطل حقا والحق باطلا، والهلاك نجاة والنجاة هلاكا، والحامض حلوا والسكر ملحا، وهذه عاقبة كل من استسلم لضعفه وركع لهواه.
ومن يك ذا فم مر مريض .. .. يجد مرا به الماء الزلالا
وتأمل قوله:مرباداأي يحمل بقايا بياض فى عموم سواد، وهذا دلالة على أنه ما كان أسود يوم خلقه الله، بل كان أبيض ناصع بياض الفطرة ليحمل الخيـر ويدوم عليه؛ لكنه اختار بإرادته الذي هو أدنى، وقدم الخبيث على الطيب، وطرد خيره مؤثرا شره، وأحيا فجوره وأمات بره، فلم يبق من البياض والفطرة والإيمـان إلا بقع من البيـاض الغارقة في لجة الخطيئة وطوفان السواد.
والحديث في مجمله يدفعنا بقوة إلى ضرورة مراجعة النفس لاكتشاف نقطة الضعف التي يتسلل منها الشيطان ليحول صاحب القلب الحي في النهاية إلى صاحب قلب منكوس، وما ذاك إلا من تهاونه في معرفة عيب نفسه في البدء، وعدم سد هذا المنفذ على الشيطان بسد فولاذي الإيمان وسعيه الحثيث في العلاج، نعم نقطة ضعف واحدة ليس غير كفيلة أن تؤدي إلى انتكاسة قلبك وانقلاب روحك، وأنت السبب إذ لم تسمع وصية الحبيب، أو سمعتها ورميتها وراء ظهرك، ثم تبكي!!
وما مثلك بنقطة ضعفك مع شيطانك إلا كحامل قطعة لحم وحوله كلب جائع، فلا يزال الكلب ملازما لك حتى ترمي عنك قطعة اللحم، فإن رميتها ثم زجرته انصرف عنك، وإلا ظل يحوم حولك يطمع في لحظة غفلة أو سنة نوم ليهجم!!
وفي المقابل ينتصب القلب الحي صخرة شامخة تتكسر عليها أمواج الفتن، وهذا سر تشبيهه بالصفا. قال القاضي عياض رحمه الله: ليس تشبيهه بالصفا بيانا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدتـه على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء.
قال ابن قدامة وهو يرشدك إلى كيفية التعرف على نقطة ضعفك: فمن أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرق:
الطريقة الأولى: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها، وهذا قد عز في هذا الزمان وجوده، فمن وقع به فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغي أن يفارقه.
الطريقة الثانية: أن يطلب صديقا صدوقا بصيرا متدينا، وينصبه رقيبا على نفسه لينبهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله.
الطريقة الثالثة: أن يستفيد معرفة نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدي المساوئ، وانتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يخفي عنه عيوبه:
عداتي لهم فضل علي ومنة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا
هموا بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
الطريقة الرابعة: أن يخالط الناس، فكل ما يراه مذموما فيما بينهم، يجتنبه. "مختصر منهاج القاصدين"
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
خالد أبو شادي