- اسم الكاتب:صبحي فحماوي
- التصنيف:ثقافة و فكر
باختصار؛ نحن القراء والكتاب والمتكلمون بالعربية نريد إصلاح الحالة المتردية لللغة.. يقول لي زميلي الناقد الذي يسمعني وأنا أصرخ: "قل تصحيح، وليس إصلاح"، وأنا أصر على كلمة "إصلاح" في هذا المقال فقط، ذلك لأن اللغة التي نستخدمها صارت مثل الكراسي المخلعة، أو الخزائن التي وقعت فصالاتها، وهي بحاجة إلى إصلاح!
وليس المقصود هنا إيجاد مجمع لغة عربية جديد، بدل ذاك الذي انتهت صلاحيته، بل إن لغتنا العربية قد تم اغتيالها واستبدالها بلغة مكسرة، ومن أغرب ما شاهدت أمس عندما دخلت إحدى الدوائر الحكومية الرسمية، والتي يندر أن يدخلها أجانب، فاللافتات الرقمية المتحركة التي توجه المراجعين العرب، والتي من المفروض أن تقول: (صاحب الرقم كذا، يتجه إلى الشباك رقم كذا...)، وجدتها كلها تتحرك من اليسار إلى اليمين، باللغة الإنجليزية فقط، حتى دون ترجمة إلى العربية. والسؤال الذي يستدعي نفسه هنا هو : لماذا تقدم لنا دولتنا صاحبة الثورة العربية الكبرى لغة إنجليزية حتى دون ترجمة إلى العربية، في دائرة ، كل مراجعيها تقريبا من العرب؟ وحتى لو كان واحد في الألف منهم أجنبي، فلماذا لا يكلف خاطره ويعرف شيئا عن لغتنا الرسمية، التي نشرت الحضارة في الشرق والغرب؟
وفي الشوارع ، صارت معظم اللافتات في مكتوبة بلغة إنجليزية لا يعرف العربي معناها، ناهيك عن لافتات تجارية تكسر اللغة العربية مثل (مطعم الترويئة) وما هو على شاكلتها كثير، لدرجة تجدها تغطي الأسواق!
وحتى المدارس التي من المفروض أن تعلمنا لغتنا، نجدها تحت أسماء مكتوبة بالإنجليزية( إس بي إس، إس جي إس، وإس دي إس) وحروف لا تعرف منها شيئا ، وفي داخل كثير من هذه المدارس ، - الخاصة منها- تجد كثيرا من الكتب تدرس باللغة الإنجليزية. نحن نريد أن تكون هناك مادة لغة إنجليزية ضمن المواد المقررة، ولكن أن تتحول كتبنا في العلوم الرياضيات والفنون والآداب إلى لغة أخرى، فهذا تجهيل لشعوبنا العربية بلغتها ، وإضعاف لكيانها القومي..
ونظرا لحرية العولمة التي تنثر غبار التلوث البيئي في كل مكان، لا نستطيع إجبار أصحاب اللافتات على تغيير لغتها، ولكن وزارات التربية والتعليم، ووزارات التعليم العالي، مطالبة بضبط حازم لهذه المسألة داخل صفوفها المدرسية ومدرجاتها الجامعية، والبلديات مثلا تستطيع التدخل في السوق التجاري، وذلك مثلا بمضاعفة رسوم اللافتات المكتوبة باللغة الأجنبية، فتحصل بذلك على رسوم إضافية، لا تدفعها للخبراء الموظفين بعقود من فئات الآلاف، بل توظفها لخدمة الثقافة العربية ، وخاصة ثقافة الأطفال.
وأما جواز السفر العربي الذي نعتز به، فنفتحه – جوازات بعض البلدان العربية - فإذا به يبدأ من الشمال إلى اليمين، فنستغرب سبب هذا التوجه الشمالي في جواز السفر، ونتساءل هل تعلم مجالس النواب البرلمانات العربية عن هذا التوجه الشمالي؟ ثم نقول : "اللهم اجعلنا من أهل اليمين"!
هذا عن الكتابة، وأما عن الحديث، فلقد صار معظم المتحدثين سواء كانوا من القطاع الخاص، أو موظفي الدول العربية، وحتى الأساتذة منهم، يدلون بأحاديثهم وينطقون بتصريحاتهم، ويقدمون استشاراتهم عبر وسائل الإعلام المختلفة بلغة عربية ركيكة محشوة بجمل انجليزية، رغم أن الكلمة العربية في كثير من الأحيان تكون أسهل وأجمل..
وحتى الكتاب الذين هم رواد الأمة، ومعلموها، صاروا يدخلون في رواياتهم وأشعارهم ، فتكرر كاتبة في روايتها عدة مرات، أنها فتحت (فريزر) الثلاجة، فلماذا لا تكتب مجمد بدل (فريزر)؟ ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تأتيك روايات عربية بعنوانات بالإنجليزية مثل (بروكلن هايتس) و(مس إيجبت) و(نسيان دوت كوم) ، وروايات مليئة بالرسائل المكتوبة باللغة الإنجليزية. وأخيرا اطلعت على مجموعة قصص عربية، مكتوبة مقدمتها باللغة الإنجليزية، واستغربت كون عنوان كل قصة مكتوب بلغة عربية، مترجم تحته بلغة إنجليزية..! لمن توجه كتابك أيها العربي؟ لو أنه مترجم كله إلى الإنجليزية، فهذا رائع، إذ توصله إلى بلاد بعيدة ليقرأوا أدبنا، ولكنك تترجم للعرب، ليقرءوك بالإنجليزية!
لا نفهم ، هل أصيبت اللغة العربية بعجز شل قدرتها على التعبير، أم بتصلب في الشرايين، مع أن لغتنا الجميلة أقوى وأكثر بلاغة من اللغة الإنجليزية؟ والأهم من هذا وذاك يا جماعة، أنها لغتنا، وهي التي تحفظ شخصيتنا العربية من الاندثار!
وأمام هذا التهميش المخيف للغة العربية، فنحن نناشد السلطات التشريعية والتنفيذية والإعلامية التدخل كل بوسيلته، لوقف هذا الهجوم الكاسح على لغتنا العربية، وحمايتها من الاندثار!