الجمالية في الإسلام

2 1575

لماذا خلق الإنسان في هذا الوجود ؟ حيث الكون يتشكل من صور طبيعية جميلة عناصرها أشجار وعيون وشلالات تنساب سيولها على الصخر على أنغام موسيقى طبيعية تطرب الآذان، وسماء زرقاء وطيور تحلق في أجواء السماء، وبحار ووديان وأنهار، وشمس عند الشروق وعند المغيب تمتع العين، وقمر وضاء في ليلة البدر الجميل، مشاهد فيها متعة النفس؛ لأنها غنية بمظاهر الجمال الحسي المنظور والمحسوس! ولقد زين للناس حب أشياء كثيرة وجعلت جاذبيتها فيما أودعها البارىء من جمال ومتعة ومنفعة.

لكن مفهوم الجمال في الإسلام أوسع وأرحب من هذه الصور والمشاهد المادية والطبيعية؛ إذ "الجمال يكون في الصورة وتركيب الخلقة، ويكون في الأخلاق الباطنة، ويكون في الأفعال.
فأما جمال الخلقة فهو أمر يدركه البصر ويلقيه إلى القلب متلائما، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك...
وأما جمال الأخلاق فكونها على الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل والعفة، وكظم الغيظ، وإرادة الخير لكل أحد.
وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم ؛ فالجمال بهذا يوجد في القلب والقالب، في الظاهر والباطن، في القلب والمعاملة. وأسسه وضوابطه تنبني على ثلاثة أركان: قصد تعبدي، وحكمة شرعية، ومتعة نفسية. وهذه الضوابط تشكل الموازين التفسيرية لكل مظاهر الجمال وعليها سنرتكز في تحليلنا لمفهوم الجمال في الكون والمجتمع والفرد.

معاني الجمال في الإسلام
1- جمال الخلقة: الإسلام بمفهومه الشامل تستغرق مفاهيمه الحضارية كل جوانب حياة الإنسان في أبعادها الدنيوية والأخروية والمادية والروحية والعقلية والعاطفية، بشكل متوازن لا طغيان لجانب على آخر.
•    ومن الجمال الذي اعتبره الشرع جمال الإنسان؛ مثل جمال الأنبياء، ، عن أنس ابن مالك قال: "كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، حسن الجسم ".ومما جاء في وصفه –صلى الله عليه وسلم- أنه كان "يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر "

فانظر كيف خلق الباري نبيه المصطفى على هيئة جميلة؛ لأنه حامل الجمال القرآني والهدي الرباني فكيف لا يكون الوعاء جميلا!
 وانظر عندما انبهر النسوة في قصة يوسف فقطعن أيدهن لشدة انبهارهن بجمال يوسف عليه السلام: "فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم"
إن في هذا الجمال البشري النبوي متعة للناس وتأليف لهم فالوسامة تجذب الناس إليها وتحبب صاحبها إليهم، والحكمة الشرعية في ذلك الحسن إرادة الله لعبده أن خلقه في أحسن تقويم ليشكر ربه ويعبده، من هاهنا يلزم المسلم أن يكون قصده تعبديا فيما أتاه الله من فضل، كاستثمار هذا الجمال الظاهري في الدعوة إلى الله وجذب عباد الله إلى دين الله، وليس إلى الدنيا وزينتها، ولن يحصل للعبد التوفيق إلا بتجميله للباطن الذي هو محل تكليفه الاختياري، أما الأول فقد جمله الباري ابتداء منا منه وفضلا.

ومن الجمال الإنساني جمال النساء؛ فعن أبي هريرة قال: كنت عند النبي –صلى الله عليه وسلم- فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أنظرت إليها؟ قال: لا! قال: فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا  "
 في هذا الحديث دلالة على جواز النظر إلى وجه من يريد المسلم تزوجها؛ لأنه يستدل بالوجه على الجمال؛ لأن في نظر الرجل لزوجته متعة نفسية تفضي للحكمة الشرعية وهي تحقق السكينة والمودة والرحمة، والقصد التعبدي هو إعفاف النفس بتصريف الشهوة في موضع طيب حلال. لذلك روي عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قوله لعمر بن الخطاب: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته  ."

فالمرأة الصالحة معناه الجميلة ظاهرا وباطنا، وهي خير من الكنز؛ لأنها أنفع له إذا نظر إليها أدخلت عليه الفرح والسرور بجمال صورتها وحسن سيرتها وحصول حفظ الدين بها. وبطاعتها له، وحفظها لأسرار العشرة وحفظها للمال ورعاية الأولاد.

• ومن جمال الخلقة جمال الحيوان الذي خلقه الله للإنسان على وجه الخدمة والتسخير؛ قال تعالى: "والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الانفس إن ربكم لرءوف رحيم"

والقرآن هنا ينبه على الحكمة من خلق الحيوان وهي تحقيق المتعة النفسية للإنسان والمنفعة أيضا ففي الحالة الأولى تجد مثلا أن من أسعد أوقات الفلاح أو المكتسب للحيوانات لحظات يستريح فيها ويسر بالنظر في ثروته الحيوانية وهي ترعى في مرعى خصيب، أو تأكل مما جناه لها من الزرع والعشب الأخضر في إسطبل بالغابة أو بجوار البيت! وهذا من الاستمتاع الذي يثيره جمال صورة الحيوان الذي خلقه الله فأحسن خلقه، فتبارك الله أحسن الخالقين! وفي الحالة الثانية منافع التغذية واللباس وحمل الأثقال والركوب التي جعل الله الحيوان مسخرا لها لأجل الإنسان الدائر في فلك العبادة لله تعالى مستعملا هذه المخلوقات في سيره إلى الله تفكرا وشكرا واستمتاعا حلالا وزكاة وحجا وجهادا.

 جمال الخلق:
من جماليات الدين الإسلامي غناه بالأخلاق السامية، بل إننا لا نجانب الصواب بقولنا: إن الإسلام خلق جميل كالشجرة الباسقة فيها من الثمار الطيبة الشيء الكثير، بل فيها كل ثمر طيب جميل، والأصل واحد وثابت. أولم يكن خلق الرسول الأكرم –صلى الله عليه وسلم- القرآن الكريم وهو الأصل المصدري للإسلام! فهذا صبر جميل، وذاك صفح جميل وهكذا دواليك. ذلك أن "التدين إنما هو تمثل قيم الجمال، والتزين بأنوارها في السلوك والوجدان  "فلا يصدر عن مسلم قبح في التعبير أو قبح في السلوك.

•  الصبر الجميل: ورد في القرآن الكريم وصف خلق الصبر بالجمال على لسان نبي الله يعقوب عليه السلام: " فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون" قال مجاهد: الصبر الجميل: الذي لا جزع فيه. وذكر البخاري هاهنا حديث عائشة في الإفك حتى ذكر قولها: والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف: "فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ." إن جمالية الصبر في اجتهاد العبد المؤمن في تحمل الهموم والأزمات إلى درجة لا يستشعر معها الناس حاله ممتثلا أمر ربه "فاصبر صبرا جميلا"، فيتوجه بعمق مشاعره وهو المكلوم المجروح إلى الله تعالى شاكيا ضارعا مناجيا: "إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون"

إنه توجه يشمل مقومات الجمال الثلاث المتعة النفسية الروحية، والتعبد بالدعاء الخالص، لأجل حكم ومنافع منها ما يعلمه العبد ويقصده ومنها ما لا يعلمه إلا الله.

•  الصفح الجميل: وهو الخلق المذكور في قوله تعالى: " فاصفح الصفح الجميل إن ربك هو الخلاق العليم" ؛

 قال ابن عاشور: "والصفح: العفو... وهو مستعمل هنا في لازمه وهو عدم الحزن والغضب من صنيع أعداء الدين... والجميل: الحسن. والمراد الصفح الكامل ."
إنه صفح لله، لصالح الرسالة، عندما يمس الداعية في شخصه، أو عندما لا يستجيب له الناس فيهجرونه ويصرفون الناس عنه، فلا يخوض ضدهم صراعا انفعاليا، بل يصرف مشاعره في الاتجاه الإيجابي الذي أراده الله، بناء الذات وبناء الأتباع لتقوية شوكة الإسلام وتنمية عدد وعدة المسلمين ، إنها حركة جميلة لا تبتغي ولا تنشد سوى نشر الجمال الإلهي في الكون برغم الأشواك والعقبات. من هنا يأتي فعل الهجر للأعداء لكيلا يستنزف المومنون جهودهم في ردود الأفعال العقيمة. فكان إذن خلق وفعل الهجر الجميل.

 جمال الفعل:  الهجر الجميل: اقرأ قوله سبحانه: "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا" قالوا :هو الذي لاعتاب معه  ."

. الله جميل يحب الجمال: فالمسلم يسعى  ليكون جميلا، ولتكن رسالته نشر الجمال في الكون.

عن عبد الله بن مسعود عن النبي –صلى الله عليه وسلم-  قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. قال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطرالحق وغمط الناس  ."

 فالله سبحانه جميل له الجمال المطلق :جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال. ويحب تجمل العبد المؤمن في الهيئة واللباس، والعفاف عن الناس، من باب: "وأما بنعمة ربك فحدث"  بلا مبالغة ولا غرور ولا تكبر.
إن من مفسدات الجمال النفاق عبر التاريخ، وذلك قدر للاختبار وتمحيص الصف، فليختر الواحد منا أين يسلك ذاته في حزب الجمال! أم في حزب القبح وبئس المآل!
إذا اخترنا صف الجمال فهو طريق الله؛ لأن الله جميل يحب الجمال!!
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة