لفظ (الجهاد) في القرآن

1 1348

لفظ (الجهاد) شغل حيزا ملحوظا في القرآن الكريم، خاصة في القرآن المدني، في إشارة واضحة إلى أن هذا الموضوع من المواضيع التي أولاها القرآن عناية خاصة؛ لما يترتب على إقامة الجهاد من تحقيق مقاصد الشريعة إيجادا وحفظا. 

ولفظ (الجهاد) في أصله اللغوي يدل على المشقة، يقال: جهدت نفسي، وأجهدت، أي: حملتها من المشاق على غير عادتها. و(الجهد) بالضم: الطاقة، و(الجهد) بالفتح: المشقة. ويقال: إن (المجهود): اللبن الذي أخرج زبده، ولا يكاد ذلك يكون إلا بمشقة ونصب. و(الجهاد): الأرض الصلبة. ويقال: فلان يجهد الطعام: إذا حمل عليه بالأكل الكثير الشديد. وجهد الرجل فهو مجهود من المشقة. والاجتهاد: أخذ النفس ببذل الطاقة، وتحمل المشقة في العبادة. يقال جهدت رأيي واجتهدت: أتعبته بالفكر. والجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو. فمدار هذه المادة على بذل الطاقة وحصول المشقة. 

ولفظ (الجهاد) مصدر رباعي على وزن (فعال)، يدل على المشاركة في الفعل عموما، والفعل هنا هو (الجهد)، والمشاركة هنا تبين تعدد الفاعلين، على عكس ما هو الحال في لفظ (جهد)، حيث الفاعل واحد. 

ولفظ (الجهاد) ورد في القرآن الكريم في واحد وأربعين موضعا، ورد في سبعة وعشرين موضعا بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين} (التوبة:73)، وورد بصيغة الاسم في أربعة عشر موضعا، من ذلك قوله سبحانه: {إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي} (الممتحنة:1). 

ولفظ (الجهاد) ورد في القرآن الكريم على ثلاثة معان: 

الأول: بمعنى الجهاد بالقول، من ذلك قوله تعالى: {وجاهدهم به جهادا كبيرا} (الفرقان:52)، قال الطبري: جاهدهم بهذا القرآن جهادا كبيرا، حتى ينقادوا للإقرار بما فيه من فرائض الله، ويدينوا به، ويذعنوا للعمل بجميعه. ونحو هذا قوله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين}. وهذا النوع من (الجهاد) يسمى الجهاد بالحجة والبرهان، وهو مقدم على الجهاد بالسيف والسنان. 

الثاني: الجهاد بالقوة، من ذلك قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما} (النساء:95)، فالمقصود بلفظ (الجهاد) في هذه الآية ونحوها جهاد الكفار في ساحات القتال، بدليل قوله تعالى: {بأموالهم وأنفسهم}. ومن هذا القبيل، قوله سبحانه: {وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} (الصف:11). وأكثر لفظ (الجهاد) في القرآن جاء على حسب هذا المعنى. وهذا النوع من (الجهاد) يسمى الجهاد بالسيف والقتال. 

الثالث: الجهاد بالعمل الصالح، من ذلك قوله سبحانه: {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} (العنكبوت:6)، قال ابن كثير: هذا كقوله: {من عمل صالحا فلنفسه} (فصلت:46)، أي: من عمل صالحا، فإنما يعود نفع عمله على نفسه، فإن الله غني عن أفعال العباد. ونحو هذا، قوله عز وجل: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (العنكبوت:69). قال الشوكاني: جاهدوا في شأن الله لطلب مرضاته ورجاء ما عنده من الخير.

ثم ها هنا بعض ألفاظ على صلة وثيقة بلفظ (الجهاد)، نذكر معناها، ونتعرف على مدلولها:

قوله تعالى: {والذين لا يجدون إلا جهدهم} (التوبة:79)، المراد: لا يجدون سبيلا إلى إيجاد ما يتصدقون به إلا طاقتهم، أي: جهد أبدانهم. 

وقوله سبحانه: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} (الأنعام:109)، أي: حلفوا واجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم.

وقوله عز وجل: {وجاهدوا في الله حق جهاده} (الحج:78)، يحتمل المعاني الثلاثة للجهاد، أي: جاهدوا في سبيل الله أعداء الله مستفرغين طاقتهم في ذلك. قال ابن عباس: لا تخافوا في الله لومة لائم، فهو حق الجهاد. وقال الضحاك ومقاتل: اعملوا لله حق عمله، واعبدوه حق عبادته. وقال السدي: هو أن يطاع فلا يعصى. وقال أكثر المفسرين: (حق الجهاد): أن تكون نيته خالصة صادقة لله عز وجل. ولا يغيبن عن بالك هنا أمران:

أحدهما: أن لفظ (الجهاد) مصطلح إسلامي خالص، لم يرد في كلام عرب الجاهلية، ولم يرد في لغات الناس غير لغة الإسلام، ومن ثم كان لهذا المصطلح دلالته الخاصة، وإيحاؤه المميز عن غيره من المصطلحات المشابهة، كمصطلح (القتال)، ومصطلح (الحرب)، ومصطلح (الحرب (المقدسة)، فكل هذه المصطلحات ونحوها لا شأن لها بمصطلح (الجهاد).

ثانيهما: وهو على صلة بسابقه، وهو أن (الجهاد) لا يضاف إليه أي لفظ آخر، فليس هناك جهاد إسلامي، وجهاد غير إسلامي، وليس هناك جهاد مشروع، وجهاد غير مشروع، بل جهاد فحسب، وغير ذلك سمه ما شئت من الأسماء إلا اسم (الجهاد). ومن ثم كان من المهم في هذا السياق عدم الخلط بين مفهوم (الجهاد) في الإسلام، ومفهوم (الحرب المقدسة) في الأدبيات الغربية.

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة