- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:معجم أسماء الله الحسنى
الفقر وصف ذاتي للمخلوقات، فهم فقراء في وجودهم، فقراء في الإمداد بالنعم الظاهرة والباطنة والتحصل على الأرزاق والأقوات، فقراء في صرف النقم عنهم ودفع المكاره وإزالة العقبات، فقراء في تعلم ما يجهلون وإدراك ما لا يعلمون، ولو وكلوا إلى أنفسهم لهلكوا، ولكن برحمة الله يلجئون إلى (الغني) الذي يكفيهم حاجاتهم كلها مهما تنوعت واختلفت، ومع وقفة حول اسم الله الغني .
الأصل في الاشتقاق:
اسم الله الغني يعود إلى الفعل غني، فيقال: غني يغنى غنى، وهذا المصدر يدل على الكفاية كما ذكر أهل اللغة، ومما يدل عليه قوله تعالى: {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} (عبس:37) بمعنى: يكفيه شغل نفسه عن شغل غيره.
والكفاية تدل على الاستغناء، لذلك نجد أن كثيرا من الألفاظ المتعلقة بالمادة: (غني) تدل على هذا المعنى بشكل أو بآخر، فمن ذلك لفظ الغانية، وقالوا في معناه: هي المرأة التي استغنت بمنزل أبويها أو استغنت بزوجها، ويقال: استغنت بجمالها عن لبس الحلي.
وأما قول الشاعر:
كلانا غني عن أخيه حياته ونحن إذا متنا أشد تغانيا
فهو بمعنى: أشد استغناء.
والغناء بفتح الغين مع المد: الكفاية، فأنت تقول: لا يغني فلان غناء فلان، أي لا يكفي كفايته، وأما الغناء بكسر الغين فهو معناه تحسين الصوت وترقيقه، سواء كان بالقرآن أم بغيره، وهنا يذكر حديثان للنبي –صلى الله عليه وسلم-، الأول قوله: (ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن، يجهر به) رواه البخاري ومسلم، والثاني قوله: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) رواه البخاري، وقد ذكروا أن التغني الوارد في الحديثين له أحد معنيين: الاستغناء والتطريب؛ قال الأزهري: "فمن ذهب به إلى الاستغناء فهو من الغنى، ومن ذهب به إلى التطريب فهو من الغناء".
ويقال: غني القوم في دارهم إذا طال مقامهم فيها، وهذا يفسر قول الله تعالى في كتابه: {كأن لم يغنوا فيها} (الأعراف: 92) ، أي: لم يقيموا فيها، قال أبو عبيدة: "المغاني هي المنازل التي يقطنها أهلها، واحدها مغنى، ويقال للشيء إذا فني كأن لم يغن بالأمس، بمعنى:كأن لم يكن".
وجاء في حديث النبي –صلى الله عليه وسلم-: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى) متفق عليه، والمقصود: ما فضل عن قوت العيال وكفايتهم، فإذا أعطيتها غيرك أبقيت بعدها لك ولهم، فكانت عن استغناء منك، ويقال: أغنى الله الرجل حتى غني، أي: صار له مال، ورجل غان عن كذا أي مستغن، وما لك عنه غنى ولا غنية، أي: ما لك عنه بد، وما يغني عنك هذا: أي ما يجزئ عنك وما ينفعك.
وفي القرآن استعمال للغنى على عدة معان ذكرها الراغب الأصفهاني على النحو الآتي:
الأول: عدم الحاجات، وليس ذلك إلا لله تعالى، وهو المذكور في قوله : {وإن الله لهو الغني الحميد} (الحج :64).
الثاني: قلة الحاجات؛ وهو المشار إليه بقوله: {ووجدك عائلا فأغنى} (الضحى:8).
الثالث: كثرة المال أوالملك؛ كما جاء في قوله:{ومن كان غنيا فليستعفف} (النساء:6).
الرابع: عدم الاحتياج إلى ما عند الناس، فلا يفتقر إليهم ويتعفف عما عندهم، ومن هذا القبيل قوله تعالى: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} (البقرة:273)، وقد جاء في السنة استعماله بهذا المعنى في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- : (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس) متفق عليه، والعرض هو متاع الدينا وحطامها.
المعنى الاصطلاحي:
سبق أن الدلالة اللغوية لمعنى الغنى هي الكفاية والاستغناء وعدم الحاجة للغير، وعليه فاسم الله (الغني) دال على عدم حاجته لغيره من خلقه.
وهذا الربط الحاصل بين المعنى اللغوي والشرعي مستعمل عند العلماء ، فنحن نجد أن الإمام الزجاجي أورده عند تفسير معنى هذا الاسم فقال: "الغني في كلام العرب: الذي ليس بمحتاج إلى غيره ، وكذلك الله ليس بمحتاج إلى أحد، جل وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، كما قال :{ إن الله لغني عن العالمين } (العنكبوت:6).
قال الإمام ابن الأثير: "هو الذي لا يحتاج إلى أحد في شيء وكل أحد محتاج إليه، وهذا هو الغنى المطلق ولا يشارك الله تعالى فيه غيره".
وذكر الإمام الخطابي، أن اسم الله (الغني) يعني أنه سبحانه وتعالى هو الذي استغنى عن الخلق وعن نصرتهم وتأييدهم لملكه، فليست به حاجة إليهم، فهم إليه فقراء محتاجون، كما وصف الخالق نفسه فقال:{ والله الغني وأنتم الفقراء} (محمد :38).
والله سبحانه وتعالى هو الغني بذاته، المستغني عن الخلق بقدرته وعز سلطانه، فله الغنى التام المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات؛ لكمال ذاته وكمال صفاته، والغنى وصف من أوصاف الذات الإلهية، والصفات الذاتية لا تنفك عن الذات ولا يمكن أن تزول، فغنى الله سبحانه وتعالى دائم وشامل لا يطرأ عليه ما ينافيه من الذل والحاجة، ولا يمكن أن يكون لغيره فضل عليه.
وقد نظم الإمام ابن القيم في نونيته قائلا:
وهو الغني بذاته فغناه ذاتي له كالجود والاحسان
الفرق بين غنى الله وغنى العباد:
غنى الله سبحانه وتعالى هو الغنى الكامل المطابق للمعنى اللغوي: الكفاية والاستغناء وعدم الحاجة، بينما غنى العباد غنى نسبي وليس مطلقا، فقد يستغني أحدنا عن رجل ويكون غير محتاج له، مع حاجته لغيره، ولن يعدم مخلوق أن يكون محتاجا لغيره في معونة أو تصرف أو فعل أو غيرها من الأمور، ولذلك سخر الله تعالى الخلائق بعضها لبعض. والحاصل أن غنى العباد مشوب بالنقص، أما غنى الله تعالى فهو الغنى الحقيقي عن كل شيء، والخلق إليه مفتقرون، قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} (فاطر:15).
أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعية:
ورد اسم الله (الغني) في كتاب الله مقرونا باسم (الحميد): {والله هو الغني الحميد} (فاطر:15)، وباسم (الحليم): {والله غني حليم} (البقرة:263)، وبكرمه سبحانه وتعالى: {فإن ربي غني كريم} (النمل:40)، وبرحمته: {وربك الغني ذو الرحمة} (الأنعام:133) .
آثار الإيمان بهذا الاسم:
أولا: إدراك كمال الغنى الإلهي، وأن جوده يسع الخلائق كلها دون أن ينقص ذلك من ملكه شيء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله عز وجل: يد الله ملأى، لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض ما في يده) متفق عليه واللفظ للبخاري.
ثانيا: الحرص على طاعة الله سبحانه وتعالى، لأن من كمال غناه أن طاعة الطائعين لا تنفعه، ومعصية العاصين لا تضره، إنما مرد ذلك الأمر كله إلى العبد، فإن اتبع الحق فلنفسه، وإن انقاد إلى الباطل فعلى نفسه جنى، قال تبارك وتعالى: { ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين} (العنكبوت:6)، وفي آية أخرى:{ ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم} (النمل:40).
ثالثا: التفكر في اتصاف الله بالغنى يورث العبد التواضع، فلا يتكبر ويبطر بما آتاه الله من فضله، ولكن يؤدي شكر نعم الخالق عليه ولا يكفر تلك النعم ويجحدها؛ لأنه مهما بلغ من القوة والسطوة، والمكانة والجاه والثروة، فسيظل مفتقرا إلى ربه في جميع حالاته.