- اسم الكاتب: إسلام ويب
- التصنيف:معجم أسماء الله الحسنى
خلق الله الأشياء وأوجدها من العدم، وصور كل مخلوق وهيأه لما خلق له، وركب خلق الإنسان في أحسن الصور الدالة على الإبداع والإتقان، فتبارك الله أحسن الخالقين، ومع اسم الله المصور.
الأصل في الاشتقاق:
المصور هو اسم فاعل للموصوف بالتصوير، مأخوذ من الفعل: صور يصور، يقال: صور الشيء تصويرا، أي جعل له شكلا معلوما.
والصورة يعرفونها بأنها الشكل والهيئة والحقيقة والصفة، وكلها بمعنى واحد، يقول ابن الأثير: " هي الشكل والهيئة أو الذات المتميزة بالصفات، وصور الشئ: قطعه وفصله وميزه عن غيره"، وتجمع على صور –وهذا هو الأشهر- وصور –بضم الصاد وفتح الواو- وصور.
ويقال: صوره الله صورة حسنة فتصور، وفي محكم التنزيل: { وصوركم فأحسن صوركم} (التغابن:3)، وفي السنة أن سويد بن مقرن رضي الله عنه رأى رجلا لطم خادما له، فقال له: "أما علمت أن الصورة محرمة؟" فعبر عن الوجه بالصورة لبيان تحريم الضرب أو اللطم على الوجه.
ومن اشتقاقات الكلمة: التصور، والمقصود أن يتخيل الإنسان صورة الشيء وكيفيته في الذهن، ومنه قولهم: تصورت الشيء، أي توهمت صورته وهيئته، وتجمع على تصورات، بخلاف التصاوير فإن معناها التماثيل، وقد صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قوله عن يوم القيامة: (يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدون، فيمثل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره) رواه الترمذي.
والصور: هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام يوم القيامة نفختان، فيصعق الأحياء في الأولى، ويبعث الموتى في الثانية، ولهذه الكلمة معنى آخر وهو التجمع من النخل، ولا واحد له من لفظة، ويجمع على صيران، وشاهده ما جاء من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (يطلع عليكم من تحت هذا الصور رجل من أهل الجنة) رواه أحمد.
المعنى الاصطلاحي:
المصور هو اسم من أسماء الله الحسنى يدل على معاني التخليق والإيجاد والتخصيص، بحيث يجعل للأشياء أشكالا وهيئات معلومة، يقول الإمام ابن الأثير: "في أسماء الله تعالى المصور، وهو الذي صور جميع الموجودات ورتبها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة، وهيئة منفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها".
ويقول الإمام ابن كثير: " الذي إذا أراد شيئا قال له: كن، فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار. كقوله: {في أي صورة ما شاء ركبك} (الانفطار: 8)، ولهذا قال: المصور، أي: الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها".
وعبر البعض بقولهم: "المصور هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، وهيئات متباينة من الطول والقصر، والحسن والقبح، والذكورة والأنوثة، كل واحد بصورته الخاصة، قال تعالى:{فتبارك الله أحسن الخالقين} (المؤمنون: 14).
وفي ضوء ما سبق، فإن اسم الله المصور يدل على أمور، أولها: الخلق والإيجاد من العدم، وهذا ما لا يستطيع البشر فعله، وكل ما يستطيعه البشر أن يحولوا الأشياء من هيئة إلى أخرى، وثانيها: تخصيص كل شيء بهيئته وصفته التي تميزه عن غيره، وهذه الهيئات والصفات إبداع من الله، أما البشر فهم محكومون في تصاويرهم وخيالاتهم بما يرونه ويشاهدونه من مخلوقات، لذلك نجد أن تكييفهم للأشياء إنما هو مستوحى مما يرونه في الكون، من هنا نعلم عظمة الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وندرك عجز البشر عن تصوير أو تصور هيئة الروح وأوصافها.
أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعية:
المصور ورد اسما لله تبارك وتعالى في القرآن الكريم مرة واحدة، وذلك في قوله تعالى: {هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى} (الحشر:24)، وجاء مرات عديدة بصيغة الفعل، كمثل قوله تعالى: { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم} (آل عمران:6)، وقوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم} (غافر:64)،وقوله تعالى:{خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير} (التغابن:3).
الموقف من صناعة الصور:
وردت جملة كبيرة من الأحاديث التي تنهى عن التصوير حماية لجناب التوحيد ومقامه، ذلك أن الخالق تعالى هو المصور والمبدع في خلقه وفي تصويره، فقيام المكلفين بمثل هذه التصاوير هو مضاهاة لخلق الله تعالى، ثم إن فتح هذا الباب ذريعة للشرك ولابد، وإلا لما عبدت الأصنام على مر الأزمان وقد كان مبدؤها تصوير الصالحين للتذكير بهم وبصلاحهم، كما صح بذلك الحديث.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (إن أصحاب هذه الصور يوم القيامة يعذبون، فيقال لهم أحيوا ما خلقتم) متفق عليه، وفي مسند الإمام أحمد قوله عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم) .
وتشتد الحرمة إذا كانت التصاوير من جنس التماثيل، إذ المضاهاة فيها أكبر، ولا ينظر في التصوير عموما إلى قصد السائل ونيته، بل يثبت الحكم بثبوت الفعل، إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل لنا مندوحة في تصوير ما لا روح فيه، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نصح أحد الممتهنين لصنعة التصوير بقوله: "إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح" رواه أحمد، فاستدل العلماء من فتوى حبر الأمة على جواز تصوير أي ذات خالية من الروح كالأشجار والمناظر الطبيعة ونحوهما، سواء بالرسم أو بالنحت أو غير ذلك.
آثار الإيمان بهذا الاسم:
أولا: الوعي التام بأن مناط النجاة يوم القيامة مرهون بالعمل الصالح وليس بصورة المرء أو هيئته، ولذلك فقد صح عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ( إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة قال واقرءوا إن شتم: { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } ( الكهف : 105 ) ) متفق عليه، وفي حديث آخر: -: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم) متفق عليه.
ثانيا: تكريم ما صوره الله تعالى وخلقه وتحريم العبث به، ويدخل في ذلك تحريم تغيير خلقة الله بالوشم والوصل وقد ورد اللعن فيهما، كما ورد النهي عن التمثيل بالبهائم فقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تمثلوا بالبهائم) رواه النسائي، ومر عليه الصلاة والسلام بحمار قد وسم في وجهه، فقال: (أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها؟) رواه أبو داود.
ومن تكريم خلقة الله ما أورده أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ، ولا يقل : قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، فإن الله خلق آدم على صورته) رواه ابن خزيمة بسند صحيح.
ثالثا: القناعة بالخلقة التي خلق الله عليها الإنسان لأنها أحسن الهيئات وأكرمها، قال تعالى:{لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} (التين:4)، ومثل هذه القناعة تسهم في سد الباب الكبير الذي ولجه الناس في أيامنا هذه من الإقبال على عمليات التجميل زيادة في الحسن والتجمل بما يخالف ما أمر الله به، سوى ما استثني من العمليات المباحة التي تقوم على إزالة العيوب الطارئة – كتلك التي تنشأ من الأمراض والحوادث- أو الناشئة من أصل الخلقة كالتشوهات الحاصلة في بعض الأعضاء، فليس هذا من باب التغيير المحرم، والدليل أن عن عرفجة بن أسعد رضي الله عنه أصيب أنفه في الجاهلية فاتخذ أنفا من فضة، فأنتن عليه، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتخذ أنفا من ذهب، رواه الترمذي وأبو داود والنسائي.