- اسم الكاتب:د. سلمان بن فهد العودة
- التصنيف:ثقافة و فكر
السعادة : أحب أن أعرفها بأنها (اسم جامع لكل ما تحبه النفس وترضاه من الأحوال الظاهرة والباطنة، والمادية والحسية) ليقترب من تعريف ابن تيمية للعبادة، فالشعور الحسي والمتعة اللحظية التي تمر على الإنسان تصنف بأنها ذات ارتباط مادي، كالأكل والشرب والجماع.. فهي أشبه باللذة، وغالبا ما تكون سريعة المجيء والذهاب، أما الشعور المعنوي واللذة الروحية والإحساس القلبي العميق فهو أشبه بالسرور، مثل السرور بلقاء الأصحاب والأصدقاء، وبالحياة الزوجية، وبالحب..
وحين يجتمع هذان العنصران:
1)) اللذة المادية.
2)) السرور المعنوي، فهي السعادة، التي هي معنى شامل في الحياة.
إن السعادة قدر المريدين فهي إرادة السعادة وإدارتها، والبحث عنها من خلال الأسباب والمحاولة والتدريب والعمل، وقد ينجح الإنسان في سبب ويخفق في آخر, لكن السعيد يجعل من الفشل فرصة للنجاح والتجربة والسعادة، فالسعادة كأنها ذرات مبثوثة في الهواء نتنفسها أحيانا، وننفثها أحيانا أخرى، فبقدر ما يكون لدينا من الصدور المتسعة، والنفوس الرضية والقبول والإصرار نكون حققنا جزءا من السعادة، فهي عمل يمكن تحصيله، والسعي إليه أولا بطلب رضا الله وحبه، وثانيا بالسعي لجوانب الإسعاد في الحياة، قال تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"
ويقول تعالى : "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى" ، وذكر الله من أسباب ذلك، يقول تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ، إن طلب السعادة يحتاج لفعل دائم، وسعي دؤوب، وليست شيئا ينزل من السماء مثل المطر، فالله يقول: "من عمل صالحا"، فهو عملية طلب و"عمل"؛ لطلب رضا الله، والطمأنينة والسعادة.
إن أول قواعد السعادة في الحياة بعد طاعة الله هو: اتخاذ القرار وإرادة السعادة، فالسعادة قرار؛ قرار تتخذه أنت برغبتك وإصرارك، كأي قرار يتخذ على أعلى المستويات، قرار يخطه المرء بيده، ويحس به بقلبه، ويعيش به عمليا بطيبة قلبه وسعة صدره، وحبه لله أولا، ثم للحياة والناس، إن هذا القرار يجعلك تندمج مع الأشياء الصغيرة، وتحفل بها، حتى كأنك مستعد لها جاهز للتعامل معها، تقرأها بشكل جيد وجميل، وتجعل من شراب الليمون طعاما حلوا، كما يقول بعض الحكماء الأدباء، أما الأشياء التي تنغص عليه حياته فهو يستطيع بهذا القرار أن يدعها وراء ظهره، ويركلها ككرة الثلج، ويدحرجها إلى الوادي السحيق، ولا يجعلها تدخل عالمه، أو تنغص عليه عيشه وحياته.
إن الحياة وأيامها الحلوة والمرة لا تخلو من سرور مادي أو معنوي أو تجربة جيدة أو اختبار صعب يجرب المرء فيه نفسه وقوة تحمله وصبره، وقد لخص هذه القاعدة العظيمة في السعادة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (عجبا لأمر المؤمن . إن أمره كله خير . وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن . إن أصابته سراء شكر . فكان خيرا له . وإن أصابته ضراء صبر . فكان خيرا له).رواه مسلم
يقول المثل الصيني : لن تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك، ولكنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في رأسك.
إننا يجب أن نلاحظ أن السعادة –أيضا- عمر، فعمر الإنسان هو الأيام السعيدة واللحظات الحلوة، لما سألوا أحد الملوك يوما وقد بلغ أربعين سنة: كم عمرك؟ قال: عشرين يوما، فهو يعني أن أيام السعادة ولحظات الهناء والصفاء في حياته لا تتجاوز هذه الأيام العشرين، فهي عمره الحقيقي، ويؤلمني أن أجد شابا في ربيع عمره، وهو يفترض أن يكون أكثر إقبالا على الحياة وشغفا بها، أجده وهو يتأوه ويتألم، ويشكو دهره، وثقل الأعباء، ومن طول الحياة، وربما فكر في الانتحار، أو عانقه القلق والأرق.
إن "الطفولة" العذبة تكمن في مشاعر كل إنسان مهما كبر، حتى لقد قال بعض الأذكياء: إن في داخل كل إنسان حي طفل لا يريد أن يكبر!
فيمكننا أن نتعلم من الصغار ثلاثة أشياء:
أولها: أنهم يتصايحون فيتعاركون، ثم يتصالحون بعد دقائق، وكأن شيئا لم يكن،
والثانية: أنهم لا يحملون الأحقاد على الماضي، ولا أتباعه ومشاكله,
والثالثة: أنهم لا يحملون هموم المستقبل، ولا يأخذون هما لشيء، فكل شيء عندهم خلق ومعه رزقه وحياته وكل أمره، وهذه الأخيرة نفهمها بشكل معتدل، إذ ليس معنى ذلك أن الإنسان لا يحمل هما أو تخطيطا، لكن لا تجعل هذا الهم يسيطر عليك، ويقيدك ويحاصرك، ويحول بينك وبين النجاح.
إن الأعداء-أيضا- يعلموننا السعادة حينما نستثمرهم ونرى فيهم وجها إيجابيا؛ فهم يعلموننا الصبر، وتحمل النقد، والإحساس بالتحدي الذي يبعث على مزيد العمل والإصرار.
إن معرفة نعمة الله فينا يعطيننا الشعور بالرضا والسعادة، كنعمة الحياة نعمة العقل والأهم نعمة الإيمان، ونعمة المال والولد، ونعمة الأمن، يقول الله تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث"، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا )"رواه الترمذي".