المهيمن

0 2177


سبحان من وسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه، واطلع على أحوال الخلائق فلم يخف عليه شيء من أمرها، وأحاط بكل الأمور دراية وعلما، فكانت له العظمة الكاملة والهيمنة التامة.

الأصل في الاشتقاق

المهيمن هو اسم فاعل من الفعل: هيمن، يقال في ذلك: هيمن يهيمن هيمنة فهو مهيمن، ومهيمن على وزن مفيعل، كما يذكر أهل اللغة.

والهيمنة لها عدة معان، منها: القيام على الشيء، واستشهد اللغويون بما يروى عن عكرمة أنه قال: " كان علي رضي الله عنه أعلم بالمهيمنات" أي: القضايا، والمقصود أن عليا –رضي الله عنه- كان أعلم بالقضايا كيف يقوم على أمرها ويعالج مشاكلها ويتعامل معها، فنسبت الهيمنة إلى القضايا بينما الفاعل فيها هو علي رضي الله عنه، وعلى هذا المعنى تكون نسبة الهيمنة إلى الخالق سبحانه يقصد بها: القيام بأمور الخلق ورعاية شؤونهم.

ومن معاني المهيمن: المؤتمن أو الأمين، والمهيمن: الشهيد،وهذا المعنى مذكور عن ابن عباس رضي الله عنهما، ويقال: المهيمن بمعنى الرقيب؛ ويمثلون له بقول أحدهم: هيمن الرجل يهيمن هيمنة: إذا كان رقيبا على الشيء، ووفق هذا التنوع في المعاني تعددت تأويلاتهم لوصف القرآن المذكور في قوله سبحانه وتعالى: {مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} (المائدة:48)، ومعناه كما ذكر أهل التفسير: الشاهد على ما قبله من الكتب، وأورد البخاري تعليقا: قال ابن عباس: " المهيمن: الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله "، وقيل: رقيبا عليه، وقيل: مؤتمنا عليه، ومما سبق نفهم أن هيمنة القرآن على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة، فهو شاهد بصدقها، وشاهد بكذب ما حرف منها، وهو حاكم بإقرار ما أقره الله، ونسخ ما نسخه، فهو شاهد في الأخبار، حاكم في الأوامر، كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.

يقول الشاعر:

       رويدا أبا سهل فما الدهر صانع ... وما للذي شاء المهيمن مدفع

على أن هناك من يرجع الأصل اللغوي لكلمة مهيمن إلى: (مؤيمن)؛ فأبدلت من الهمزة هاء؛ ونظير ذلك كما قولهم: أرقت الماء وهرقته، وإياك وهياك، ومن هذا الباب ما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال يوما: "إني داع على ثلاث فهيمنوا" والمعنى: إني داع فأمنوا على دعائي، فقلب إحدى حرفي الشدة في (أمنوا) ياء، فصارت: (أيمنوا)، ثم قلبت الهمزة هاء فقال: (هيمنوا).

المعنى الاصطلاحي

اسم الله المهيمن هو اسم جامع يجمع أوصاف الفضل والكمال، وينقض أوصاف النقص، ويتضمن معان جليلة، وصفات جميلة ، تدخل كلها في دائرته، وهي: الشهادة، والحفظ، والعطاء، والمنع، والرقابة على الخلق، والقيام على شئون العالمين.

ويضيف الحافظ ابن حجر قائلا: "وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب ، تقول : هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن".

وعرفه بعض العلماء أن المهيمن معناه الذي لا ينقص الطائع من ثوابه شيئا ولو كثر، ولا يزيد العاصي عقابا على ما يستحقه، وقد سمى الله تعالى الثواب والعقاب جزاء، وله أن يتفضل بزيادة الثواب، ويعفو عن كثير من العقاب، وهذا التعريف قد أورد الحافظ ابن حجر عند تعرضه لاسم الله المهيمن، وهذا التعريف مبني على لحظ معنى الائتمان من جهة، ورعاية مصالح العباد من جهة أخرى.

أما الشيخ عبدالرحمن السعدي فيعرفه بقوله: "المهيمن: المطلع على خفايا الأمور، وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علما".

أدلة هذا الاسم من النصوص الشرعية

ورد اسم الله المهيمن في كتاب الله تعالى مرة واحدة فحسب، ألا وهو قوله سبحانه: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون} (الحشر: 23).

أما في السنة فقد ورد هذا الاسم في الحديث المشتهر على ألسنة الناس والموجود في كتب السنة، والذي جاء فيه سرد التسعة والتسعين اسما لله تبارك وتعالى، وقد رواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، إلا أنه على الرغم من شهرته فإنه لا يصح عند علماء الحديث ونقاده.

كما ورد اسم الله المهيمن في الحديث الذي أخبر به عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما على هذا المنبر -يعني منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو يحكي عن ربه عز وجل، فقال: (إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة جمع السماوات السبع والأرضين السبع في قبضة, ثم يقول عز وجل: أنا الله, أنا الرحمن, أنا الملك, أنا القدوس, أنا السلام, أنا المؤمن, أنا المهيمن)، أورده الإمام البيهقي في كتاب الأسماء والصفات، وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: " رواه ابن منده، وابن خزيمة، وعثمان بن سعيد الدارمي، وسعيد بن منصور وغيرهم من الأئمة الحفاظ النقاد الجهابذة".

من لوازم هذا الاسم

تبين مما سبق أن معاني اسم الله المهيمن: الرقابة، والشهادة، والائتمان، وكلها معان تستلزم صفة العلم الإلهي بشموله، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وبذلك تتحقق هيمنته على خلقه.

ويضاف إلى ما سبق أن قيام الله سبحانه وتعالى على مصالح عباده –كمعنى من معاني اسم المهيمن- يستلزم القدرة التامة على الخلق، الذي يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه، حتى يتحقق الحفظ، والعطاء، والمنع.
 
آثار الإيمان بهذا الاسم

من أعظم
الفضائل التي من الله سبحانه وتعالى بها على عباده، إدراكهم لهيمنة خالقهم عليهم ، ورعايته لأمور معاشهم ومعادهم، وأنه ما خلقهم إلا ليسعدهم، وما إحسانه وجوده الذي عم أهل السماء والأرض إلا أثر من آثار هيمنته ، قال سبحانه وتعالى:{وما بكم من نعمة فمن الله} (النحل:53).

ومن آثار هذا الاسم العظيم، أن يورث القلب القدرة على مواجهة مصاعب الحياة ومتاعبها، ويعين العبد على القيام بالمأمور من الصبر على مر القضاء، لإدراكه أن الخالق سبحانه وتعالى مطلع على أمور عباده قائم عليها، فلن يختار لعباده إلا ما هو الأصلح لهم والأنفع لعاقبتهم، مهما كانت صنوف المكاره وأنواع المضار، فلعل في ثنايها الخير الكثير، والفضل العميم: { فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} (النساء: 19).

ومن آثار هذا الاسم، إدراك مدى سعة علم الله تعالى للغيب والشهادة، فلا تخفى عليه خافية: {إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء} (آل عمران:5)، فتزداد رقابة العبد على نفسه ويحاذر من مخالفة ما أمر به أو مقاربة ما نهي عنه، لعلمه باطلاع الخالق عليه، وشهوده على أفعاله، وصدق الله إذ يقول: {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} (يونس:61).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة