- اسم الكاتب:د. سلمان العودة
- التصنيف:ثقافة و فكر
حين قال "مارتن لوثر كنج" كلمته السائرة: "أنا لدي حلم"؛ كان يتحدث بأكثر من لغة، أهمها لغة الإنسان.
أحلام المنام ضرب من الخيال، ما زال الإنسان يدأب حتى حقق معظمها، فطار في الفضاء، وأبدع وابتكر وذلل الصعاب وقهر المستحيل.
وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام
الهدف حلم مؤقت له مدة ينتهي إليها؛ أما الحلم فهو شوق دائم متصل بنبض القلب وخفق الروح وتطلع العقل وسبح الخيال.
حين يتحقق الحلم كأنه يتبخر، إذا قطفته مات، فأجمل ما في العمر هو الانتظار، لحظات الترقب مشحونة بتفاعل غريب هو ذروة الحياة.
سيظل الحلم حلما، يروى بدموعنا، ويقتات من سهرنا، ويستحوذ على يقظتنا ومنامنا.
كان "مارتن لوثر كنج" يقول: "سأزرع شجرة التفاح، ولو كنت أعلم أن نهاية العالم هي الغد"؛ وهو اقتباس من مكنون الحكمة الإنسانية الرفيعة ، مشكاة النبوة كانت أبلغ حين قال في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"، مقام النبوة ذكر النخل "الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل"، لم يقل: غدا، وإنما قال: الآن.. لو اختلست بضع ثوان لتغرس الفسيلة قبل أن يلحقك الفوت فافعل!
الحلم نقلة من ضيق اللحظة إلى سعة المستقبل، من الإحباط إلى الأمل والتفاؤل، من الخوف إلى الرجاء والتطلع.
الطفل الفقير يحلم بتفاحة يقضمها، أو فراش وثير ينام عليه، أو دمية يلعب بها.
الخائف يحلم بالأمان، ولا يفكر بما سواه، والمخاوف هي عدو الأحلام، وحينما يستحوذ الخوف يبدو المرء مكبلا بالقيود، قد يعيش المرء في زنزانة يراها ويلمس قضبانها ويحس بأنه محبوس. وقد يعيش في زنزانة لا يراها، ولا يلمس قضبانها ويظن بأنه حر، وهو قن مثقل بأوزار الحديد! تأمل لغتك.. كم مرة في اليوم تقول: نعم، ولكن أخشى! .
العائلة حلم جميل، إشباع لرغبة الامتداد الإنساني، ورؤية الذات في الآخر، بشكل منفصل جسديا، متصل روحيا و وجدانيا.
قمة الهرم الثقة بالنفس وقدراتها، والجرأة على بدء الخطوات الأولى نحو الحلم العظيم.
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ثم من يحاصر الحياة، وأسوأ منه من يحاصر الأحلام، فلا يريد من الناس أن يحلموا، أو أن يمتد خيالهم إلى أبعد من معاناتهم اليومية.
السعادة حلم، والنجاح حلم.. والسعادة نجاح، والنجاح سعادة. والحرية حلم، حتى لدى الطائر يضرب شباك القفص ويرنو إلى الفضاء، أو القط يموء ويتمسح بالباب يطلب الانعتاق من ذل القيد.
والعدالة حلم المجموع، حين تذوب الفوارق المصطنعة ويتساوى الكل أمام سلطة الدنيا أو سلطة الآخرة.. سألني فتى عن أهم أحلامي؟ فقلت: أن أموت وأحلامي تنبض بالحياة، وتواجه التحدي، وتنفخ روح الأمل في ضمائر البائسين واليائسين والمحبطين. لا تخف على حلمك متى كنت مخلصا وصبورا، لأن العالم حينئذ سيتآمر كله لتحقيق حلمك، كما قال "باولو كيليو" ذات مرة .
عندما سجل الصبي المعدم حلم الطفولة أن يمتلك حقلا وخيولا ومضمارا؛ شطب المعلم على درجته، وحرمه من متعة الحلم.. كيف تحلم بهذا وأنت لا تمتلك قيمة الدفتر الذي تدون فيه حلمك، والذي كان هدية من جمعية خيرية!
يعرض على تلميذه أن يعيد الامتحان؛ فيرد الصبي بكبرياء: احتفظ بدرجتك، وسأحتفظ بحلمي !يا للعظمة! حين تتمثل موقفا شامخا يستعلي على الاستلاب، ويصر على المواصلة ليجد نفسه في نهاية المطاف حيث يحب! إنه التحدي الذي يضطرك أحيانا إلى المضي قدما في طريقك غير عابئ بسارقي الأحلام.
"احرص على ما ينفعك" ؛ دعوة نبوية للتعاطي الجاد مع الفرص الإيجابية بروح المبادرة و الإنجاز ."واستعن بالله"؛ فحين تربط حلمك بالله تمنحه أزلية وسرمدية؛ ليتحول من حلم فرد إلى أحلام أمة، من حلم دنيوي معزول إلى أفق فسيح ممتد إلى حيث الآخرة والعدل والقسط والفضل الرباني، في نعيم لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال.
"ولا تعجز"؛ وكيف يعجز من وقود روحه من جذوة الإيمان ." وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل" .فالإيمان ليس جبرية عمياء، ولا استسلاما ولا جحودا للطاقة الإنسانية الهائلة، وليس بكاء على الأطلال، ولا جزعا من تغيرات الأحوال، إنه اليقين بأن الخير حيث يضعك الله، وأنك كل يوم تنشئ حلما جديدا، وأملا جديدا، ونجاحا جديدا.
وما لم تمتلك القدرة على الحلم، فلن تفعل شيئا ، يقول "أينشتاين": "الخيال أهم من المعرفة" .عليك أن تحذر أن تدجن حلمك؛ لتجعله صورة مشوهة مسكونة بتعرجات الواقع واعوجاجاته..
احلم دون قيود.. أطلق خيالك.. واصنع عالمك الافتراضي الذي سيغدو حقيقة ملموسة متى آمنت بها ..سوف نتفوق حينما نمتلك أحلاما وردية بعدد شخوصنا، أو حينما يفلح أولئك الذين يمتلكون الأحلام الجميلة من الإمساك بناصية الحياة.
سوف نتفوق حينما يصبح الخطاب المتدين حافزا للأحلام وليس رقيبا عليها.