- اسم الكاتب:اسلام ويب
- التصنيف:قضايا شبابية
لابد للإنسان أن يكون له هدف في هذه الحياة وغاية يشرئب إليها قلبه، وتتوق لها نفسه، وتطمح آماله لنوالها، ويسعى حثيثا لتحقيقها، فمن عاش بغير هدف كانت حياته بلا معنى، أشبه ما يكون بحياة الحيوانات، يأكل كما اتفق، ويشرب كما اتفق، وينام كما اتفق، ويقضى شهوته كما اتفق، "يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم".
حياة بلا هدف.. هي حياة بلا معنى يقتل الإنسان فيها وقته، والحقيقة أن الوقت هو الذي يقطع عمره
حياة بلا هدف.. أشبه بلاعب كرة في ملعب بدون مرمى، فهو يسير يخبط بها في كل اتجاه لا يدري ما يفعل بها.
حياة بلا هدف.. بحر بلا شاطئ، يسبح السابح ولا يدري إلى أي اتجاه.
حياة بلا هدف.. هي حياة بلا قيمة وأيضا في الغالب بلا نتيجة ـ يعني سبهللاـ وهو عين ما تحسر عليه الشاطبي رحمه الله بقوله: فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا.
الأهداف نفيسة وخسيسة
فإذا كان لابد من هدف تنشده، وغاية تسعى إلى تحقيقها.. فاعلم أن الغايات نفيسة وخسيسة؛ كما قال ابن القيم: "القلوب جوالة: منها ما يجول حول العرش، ومنها ما يجول حول الحش".
وقال تعالى: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}، وقال أيضا: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون}(هود:15،16).
فالغايات والأهداف مختلفات، ولكنها لا تخرج عن أمرين: هدف يتعلق بالدنيا وآخر يتعلق بالآخرة.. وشتان بين الهدفين، وما أبعد ما بين الغايتين... يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [من كانت الآخرة همه: جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همه: جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له](صحيح الجامع)
الغايات تدل على أصحابها:
ونفاسة الغايات وخستها إنما تدل على نفوس أصحابها: فمن كانت همته خسيسة دل ذلك على نفس حقيرة، وهمة سافلة، وضحالة فهم، وضعف عقل، خصوصا إذا كانت همته تتعلق بما تتعلق به همم الحيوان، كما قيل لطرفة بن العبد: ما أفضل العيش؟ قال: مطعم هني، ومركب وطي، ومسكن دفي. وكذلك الشاعر الذي تعلق بالدنيا وكره موت الكرامة فقال:
أضحت تشجعني هند وقد علمت .. .. أن السلامة مقرون بها العطب
للحــرب قــوم أضـل الله سعـيهم .. .. إذا دعتهم إلى حوماتـها وثــبوا
ولست منهم ولا أبـغي فـعالهــم .. .. لا القتل يعجبني منها ولا السلب
لا والذي جعل الفردوس جنته .. .. ما يشتهي الموت عندي من له أرب
فقارن بين هذا وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: [أتاني جبريل فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي. فقال أبو بكر: وددت والله أني كنت معكم فأنظر إليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل منه من أمتي]
وانظر إليه والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول: [من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة : يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة . فقال أبو بكر رضي الله عنه : بأبي وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ؟ . قال : نعم، وأرجو أن تكون منهم](متفق عليه).
الفردوس الأعلى:
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه كبر الهمة وعلو الهدف وسمو الغاية، وكان يحزن إذا رأى من أحدهم غير ذلك.. كما في حديث عجوز بني إسرائيل ــ الذي رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده وعنه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني وقال: إنما هو على شرط مسلم وحده ــ ، عن أبي موسى, رضي الله عنه، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فأكرمه، فقال له: (ائتنا) فأتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سل حاجتك)، قال: ناقة نركبها، وأعنز يحلبها أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل) قالوا: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟! قال: إن موسى عليه السلام لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلوا الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها فأتته، فقال: دليني على قبر يوسف قالت: حتى تعطيني حكمي، قال: وما حكمك؟ قالت: أكون معك في الجنة، فكره أن يعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع في ماء، فقالت: أنضبوا هذا الماء، فأنضبوه قالت: احتفروا فاحتفروا، فاستخرجوا عظام يوسف عليه السلام، فلما أقلوها إلى الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار).
وكان يقول لهم: [إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة](متفق عليه)
وقد انتفع الصحابة بهذا بتوجيهات نبيهم صوات الله وسلامه عليه أشد الانتفاع، فارتفعوا بها في الدنيا والآخرة؛ فما عرف على وجه الأرض أقوام أعلى همما منهم، ولا أعظم غايات، ولا أشد عزما ومضاء منهم رضوان الله عليهم، ويكفي أن تتذكر موقف عكاشة بن محصن وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يجعله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، فقال له: أنت منهم.. وكذلك ربيعة بن كعب الأسلمي وقد قال له النبي يوما سلني.. فلم يجد فرصة أعظم منها ليهتبلها وينال بها غاية الشرف الذي يمكن أن يناله إنسان؛ فقال: أسألك مرافقتك في الجنة.
بين الهدف والأمنية:
على أن الأهداف لا تكون أهدافا حتى يسعى الإنسان لتحقيقها، ويسلك السبل لنوالها والفوز بها، وإلا كانت في عداد الأماني، والأماني رأس مال المفاليس، ووهم يعيشه قعيد الهمة، وخيال يتخيله في أحلام نومه أو أحلام يقظته فإذا استيقظ وجد يده والحصير.
فإذا كنت صاحب غاية فاسع إليها، وابذل جهدك في الوصول إليها تمدح وإلا فالذم. فطلب الآخرة بعمل الدنيا نوع من الغرور، وانتظار الجنة بعمل أهل النار سفه، وانتظار رحمة الله وأنت مقيم على معصيته خذلان وحماقة، وقد قال يحيى بن معاذ رحمه الله: عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب ثم تطمع في الكواعب الأتراب!! هيهات.. أنت سكران بغير شراب.
يا ناظرا يرنــو بعــيني راقـــد .. .. ومشــاهد للأمــر غــير مشـــاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي .. .. درج الجنان ونيل فوز العابد
ونســيت أن الله أخــــرج آدمـــــا .. .. منـــها إلى الدنــيا بذنب واحـد
وقال آخر
ما بال دينك ترضى أن تدنسه .. .. وثوبك الدهر مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولا تسلك مسالكها .. .. إن السفينة لا تجري على اليبس