التحصين الديني .. وقاية وعلاجاً

0 818

وأعني بالتحصين الديني أن يكون المسلم على درجة من الوعي الديني وقواعد الإسلام والتاريخ الإسلامي تمكنه من فضح وسائل التضليل، وما تتمتع به من ضعف وهشاشة ولو في صورتها العامة، وهذه مسألة ليست بالمستحيلة، بل أكاد أقول إن أضاليل أعداء الإسلام لا تعتمد إلا على مغالطات يعتورها الضعف من كل جانب، وإن النظرة البصيرة المستندة إلى قدر من العلم الديني تكشف في سهولة ما في هذه الأضاليل من عوار وضعف وسقوط.

والتثقيف الديني- على المستوى الشعبي- هو مهمة وسائل الإعلام بصفة أساسية، وكذلك الدعاة في المساجد، وهذا يقتضي وصل المواطنين بالواقع الحاضر على المستويات المحلية والعالمية، حتى تتوافر للمواطن رؤية سديدة سوية للموضوعات التي تحيط به.

والوعي الديني الذي يحصن المسلم يجب أن يرتكز- بصفة أساسية- على كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- بعيدا عن التفريط والإفراط؛ تحقيقا للوسطية التي دعا إليها الإسلام، وتمثل جوهره ومنهجه في الحياة.. (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
ومن تتمة هذا الوعي المحصن أن يكون المسلم على بينة من الشبهات التي تثار لتجريح الإسلام ونبيه، وإثارة الشك في الدين وقيمه، كما يكون على بينة أيضا من الدعاوى البراقة التي قد يكون في ظاهرها الرحمة، وفي باطنها الباطل والشر والعذاب، كالدعوة إلى توحيد الأديان التي أخذت صورة عملية في بعض البلاد العربية بالدعوة إلى بناء ما يسمى مجمع الأديان الذي يمثل مسجدا وكنيسة وبيعة في مبنى أو مبان متلاصقة ؛ حتى تثبت للعالم- كما قال كبير ممن تولوا كبر هذه الدعوة-: إننا أمة نعيش في تسامح وأمن وأمان، بلا تعصب أو خلاف أو تطاحن، وقد رأينا أنها دعوة صليبية، رفعت شعار ما يسمى بالإسلام أو المسجد العيسوي.

ومن تطبيقات هذا المنهج التلفيقي- وهذا جزء مما يجب أن يعيه المسلم تحقيقا للتحصين الديني- أن بعض الكتاب والمفكرين المسلمين بدافع الحماسة للإسلام يحاول أن يلبسه كل ثوب عصري، فكلما تمخض العصر الحاضر عن مخترع علمي، أو مذهب سياسي، أو فكرة اجتماعية طريفة، حاول أصحاب هذا الاتجاه أن يوجدوا لها أصلا في الإسلام، هاتفين أن الإسلام سبق إليها؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) ، فسفن الفضاء والصواريخ الموجهة لها إشارات في القرآن!! والنظرية الذرية لها أصولها في آخر سورة الزلزلة!!

وحينما قامت الانقلابات العسكرية في الشرق العربي، ولوح الثوار- أصحاب الحلل الصفراء والنجوم النحاسية اللامعة- بالاشتراكية بهر بعض الكتاب الإسلاميين بهذه الزيوف، وغصت السوق بمؤلفاتهم التي تتحدث عن اشتراكية الإسلام، وقد رأى بعضهم كيف قادت الاشتراكية إلى الفقر والضياع والهزائم النكراء على كل المستويات، وصدق الله سبحانه وتعالى إذ قال: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)

ونخشى أن يأتي غدا من يزعم أن الهيبزية من الإسلام؛ لأنها- كما يزعم أصحابها وأغلبهم يهود صهاينة- دعوة إلى عودة الإنسان إلى بساطته الأولى، وتجنب التصنع والتكلف، ولا مانع كذلك أن تكون الوجودية كذلك من الإسلام؛ لأنها تقدس حرية الفرد، وتؤمن بكيانه وقيمته، وحقه في الوجود، كما يزعم الداعون إليها!!
وللأسف يحاول أصحاب كل دعوة أن يطوعوا نصوص القرآن والسنة- بتمحل شديد- لإثبات صحة هذه الدعاوى أو هذه الادعاءات، وبذلك تذوب شخصية الإسلام بالتدريج بعد توزيعه على أطباق المذاهب والفلسفات المعاصرة، ولو أنصف هؤلاء لعلموا أن الإسلام لا يضيره ولا ينقص منه ولا ينزل من قدره أن يبرأ من كل ما ذكروا.

أما حقيقة الإسلام فتتلخص في أنه إسلام، وهذه الكلمة بذاتها تعني الدين القيم الخاتم، الذي يمثل منهاجا شاملا للحياة بكل جوانبها الروحية والاجتماعية والتربوية والسياسية، وذلك بقواعد كلية لا تمنع الإسلام الانتفاع بتجارب الآخرين، من ثوابتنا الدينية والأخلاقية أو تخل بهويتنا الإسلامية، فنذوب في غيرنا، ونعيش بلا مرجعية، وبلا هوية.
وللأسف يرتمي بعض مفكرينا في هذا المستنقع البائس الآسن إرضاء للغرب والغربيين، فتكون النتيجة- مع تشجيعهم لهم- سقوطهم من عيون الغربيين، والنظر إليهم- على حبهم لهم- نظرة ازدراء وتحقير.

والتصرف الإسلامي السديد هو أن نطوع ما يواجهنا من معايش ومعاملات وعلائق اجتماعية وغيرها.. نطوعها للإسلام، لا أن نطوع الإسلام لها، فإن استحال ذلك كان علينا- نحن المسلمين- أن نرفضها تماما، حتى يتحقق لنا التدين السليم البصير.
وإذا كان هذا التحصين الديني- وقد أشرنا إلى بعض مظاهره ومقتضياته- مهما للمسلمين بعامة، فإنه يعتبر ضرورة الضرورات لأبنائنا المبعوثين لتلقي التعليم العالي في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وغيرها؛ وذلك لتعرضهم لمغريات لا أخلاقية ولا دينية يعجز عنها الوصف، كما يعرض بعضهم لأن يفتن في دينه من بعض الجمعيات أو الجامعات بمقابل دنيوي كبير.

وأغلب من يبعثون يكونون في تخصصات أكاديمية تجريبية، كالكيمياء والطبيعة والطب والهندسة، ورصيدهم من العلوم الإسلامية ضئيل للغاية، كما أن حظهم من اللغة الأجنبية التي تمكنهم من الدفاع عن دينهم وقيمهم ضئيل؛ لأن اللغة الفقهية والمصطلحات الدينية مجهولة عندهم، فتركيزهم الأساسي- قبل بعثتهم- كان على اللغة العلمية التي تمكنهم من تحقيق ما يبغونه من دراستهم.

وهؤلاء المبعوثون منهم من ينكسر أمام الإغراءات الشيطانية، فينهار أخلاقيا، ولا يبقى له من دينه إلا اسمه، ومنهم من يرزقه الله القدرة على الصمود، والقبض على دينه، ومع ذلك يبقى عاجزا عن التصدي لما يوجه لدينه من مفتريات الصهاينة والصليبيين ضد الإسلام وقرآنه ونبيه، إما لضعف ثقافته الدينية، وإما لضعف لغته الدينية وإما للسببين معا.
وقليل جدا من هؤلاء رأيتهم متمكنين من دينهم ولغتهم ولغة البلد المبعوثين إليه، فكانوا دعاة ثابتين قادرين، وحرصوا على تلقف الشباب المسلم الوافد لتوعيته والحفاظ عليه، وحققوا غير قليل من النجاح في هذا المجال، ولكنه يبقى مع ذلك محدودا دون المرجو المطلوب.

ولتحقيق الحصانة الدينية لهؤلاء الشباب المبعوثين إلى الخارج أوصي بما يأتي:

أ- تقديم دراسة جادة مكثفة للطالب المبعوث في الدين والشريعة بلغة البلد الذي سيبعث إليه، لا تقل عن عام أو عامين؛ بحيث لا يسمح له بالبعثة إلا إذا تلقى هذه الدراسة، واجتاز بنجاح الامتحان فيها شفويا وتحريرا قبل سفره.

ب- وصل هؤلاء المبعوثين بالمراكز الإسلامية في الخارج للاشتراك - بالتلقي والعطاء- في نشاطها الديني والثقافي، وتوعيتهم بملامح المجتمعات الجديدة التي هبطوا إليها.

 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة