أخرِجوها من بيتها

2 1016

عندما بحث أعداء الإسلام في أسباب انتصار الإسلام على مناوئيه، وقهره لأعدائه وشانئيه، وسبب رفعة أهله، وعلو كعبه وشأنه وجدوا أن من أعظم أسباب هذا الانتصار هو دور المرأة المسلمة فيه، وأثرها الفعال في تربية الأبناء وإعانة الأزواج، وصيانة دين الأسرة ومن ثم إنتاج الرجال، وإخراج الكماة الأبطال الذين تربوا في محاضن العفة والصيانة، وبيئات المروءة والكرامة، فحملوا لواء الدين خير محمل، ورفعوا راياته حتى رفرفت في شتى بقاع الأرض، ودان لها أهل الشرق والغرب.

فلما رأى أعداء الإسلام ذلك أدركوا أن كسر شوكة هذا الدين لا تكون إلا بإفساد هذا العنصر الفعال ـ أعني المرأة ـ وتعطيل إنتاجها وتهميش دورها وتدمير عقلها وفكرها، وأدركوا أيضا أن ذلك لن يكون إلا بإخراجها من محضنها الكريم، ومملكتها الآمنة، وإلى أي مكان خرجت فالعاقبة ستكون معلومة ومعروفة وهو انهيار المجتمع الإسلامي كله.. وهو ما قد كان فعلا.

فشمر أهل التغرير – المسمون زورا وبهتانا بدعاة التحرير – عن ساعد الجد، وفارقوا النوم والسهاد، وودعوا الراحة والدعة من أجل تحقيق تلك الغاية.. وكان من أساليبهم التي خدعوا بها المرأة ليخرجوها من بيتها ويفسدوا الأسرة والمجتمع أنهم هاجموا بقاءها في البيت، وجعلوا ذلك من أكبر علامات احتقارها وازدرائها، وعيروها بأنها آلة للحمل والولادة، ومتعة الرجل (يعني زوجها)، وأنها كالخادمة تكنس وتطبخ وتنظف، فذموها بما هو محمدة، واستنقصوها بما هو من كمالها وجمالها، كل ذلك ليحققوا منها مآربهم.

قالوا لها: إن المرأة المتحررة يجب ألا يكون عليها قيود أي قيود، وأما البيت فهو آخر ما تفكر فيه، ووصفوه لها بكل وصف منفر ومقزز، وصوروه على أنه السجن وهو الضيق، هو التأخر، هو الرجعية، هو التقاليد البالية، هو القرون الوسطى المظلمة، هو عصر الحريم، هو ديكتاتورية الرجل، هو شل المجتمع عن الحركة، ودفعه إلى الوراء بسبب تعطيل نصفه الجميل، وإيقاف إحدى كليتيه.

إن المرأة – عندهم – يجب أن تخرج لتتعلم، ويجب أن تتعلم لتعمل، ويجب أن تعمل لتتحرر اقتصاديا من تبعيتها للرجل، فيكون لها رأيها واستقلاليتها، تفعل ما تشاء، وتفعل ما تريد، بدون أن تحكم من أحد، لا لتبقى في البيت كما كانت جدتها الجاهلة.

وهكذا حتى أصبح البقاء في البيت هو المعرة التي لا تطيق فتاة أن تلصق بها؛ فلأي شيء تبقى في البيت لتطبخ وتغسل يا للخزي، لتحمل وتلد يا للعار، لتراعى زوجها وتربي أولادها، ما هذه المهانة، وأي مصلحة للوطن في هذا؟

يقول سلامة موسى وهو واحد منهم: "ماذا في البيت يستحق أن ترصد له الزوجة نفسها ووقتها وفراغها، يجب على المرأة المتعلمة أن تعمل خارج البيت وتؤدي خدمة اجتماعية لوطنها".

وكما ترى فإن الزوجية في رأيه ليست شيئا مذكورا، وقيام المرأة بحقوق زوجها وبدهيات بيتها وحاجيات أولادها كل هذا لا قيمة له، والاستقرار الاجتماعي، وثبات العلاقات العائلية الناتج عن سلامة الأسرة واستقرارها؛ كل هذا ليس خدمة للوطن، بل هو تعطيل للطاقات لا يستحق أن تفرغ له المرأة وقتها".

رجع صدى
وأود أن أنبه أن هذا الذي يقوله أدعياء تحرير المرأة، إنما هو في الحقيقة رجع صدى لما قاله أسيادهم في الشرق الشيوعي، أو الغرب الرأسمالي؛ فهم كما عودونا ببغاوات تردد ما تسمع في الشرق أو الغرب، فلا تعجب حينما تسمع ما قاله "تومسون" الشيوعي: "إن الزواج رياء، والبيت هو سجن المرأة مدى الحياة".

وقال تروتسكي – وهو أحد المنظرين للثورة الشيوعية -: "لقد سعت الثورة – ببطولة – إلى هدم البيت العائلي القديم المتداعي الذي يشكل مؤسسة بالية روتينية خانقة، تقضي على المرأة بالأشغال الشاقة من الطفولة حتى الممات.

وفي الغرب تقول هافلوك أليس: "الحقيرة فعلا ليست هي البغي، وإنما هي بالأحرى المرأة التي تتزوج للمال، فهي تنال أقل مما تناله الأولى بكثير، وتقدم بالمقابل عملا وعناية أكبر وتكون مرتهنة بملكيتها لسيدها.
وتقول نوال السعداوي: "إن الزواج في مجتمعنا أصبح نوعا من البغاء المقنع".

وأريدك أن تقارن بين كلام سلامة موسى وكلام تومسون وتروتسكي، وقارن بين قول تومسون: "أن الزواج رياء"، وقول السعداوي أنه بغاء مقنع، لتعلم أن دعاة التغرير عندنا هم في الحقيقة عقول مستنسخة من جينات غربية، يدلك عليها صراحة قول ماسينيون أستاذ طه حسين: "إنني حين أقرأ لطه حسين أقول هذه بضاعتنا ردت إلينا".

ومقصود القوم لا شك هو هدم الأسرة، وتدمير الحياة الزوجية، فلا أبوة، ولا بنوة، ولا زوجية ولا أرحام، وإنما هو عالم كعالم البهائم، وإذا أردت أن تتأكد فانظر إلى مقررات مؤتمر المرأة في بكين ثم مؤتمر السكان في القاهرة، لتقف على هول المصيبة.

الدين خير كله
إن هذا الدين خير كله، وهو الذي أتى بمصالح الدنيا والآخرة، والإسلام لم يمنع المرأة من العمل أو الخروج من بيتها إذا كان لهذا ضرورة، وبشروط الحشمة والحجاب على أن الأصل يبقى في قرار المرأة في بيتها. قال تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)[الأحزاب:33].
قال ابن كثير: هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك".
قال: (وقرن في بيوتكن): أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة.
وقال مجاهد في قوله تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية".

فبقاء المرأة في بيتها أفضل ما تتقرب به إلى ربها. روى البزار عن أنس قال: "جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن: يا رسول الله! ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله، فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله".
ومعلوم أن المرأة إذا قعدت في بيتها رعت أولادها وقامت على تربيتهم حق التربية، ولا شك أن هذا من أعظم الجهاد.

حتى الصلاة التي أباح النبي صلى الله عليه وسلم خروج النساء إليها، جعل البقاء في البيت خيرا وأعظم أجرا. ففي الحديث: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن وهن تفلات [ غير متزينات ولا متعطرات] وبيوتهن خير لهن".

وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها".[رواه الترمذي والبزار].

وكلما كانت أبعد من الرجال كان أفضل لها وأحب إلى الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: [صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها].[أبو داود بإسناد جيد].
 

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة