- اسم الكاتب:اسلام ويب ( أبو مالك وائل العوضي )
- التصنيف:ثقافة و فكر
لماذا نرى الناس تستثقل التعلم؟
لا أقصد العلم الشرعي فقط، وإنما أقصد التعلم عموما، تعلم أي شيء مفيد في الحياة.
لو بحثت عما كتب في فضل العلم فستجده غالبا يدور حول العلم الشرعي فقط، وثوابه العظيم، وأجره الجزيل، وفائدته الكبيرة، وهذا أعطى للناس انطباعا أن (التعلم) أمر خاص بطلبة العلم الشرعي فقط، وأن بقية الناس ليسوا بحاجة إلى مزيد من التعلم.
والحقيقة خلاف ذلك؛ فإن الإنسان أيا كان مجاله بحاجة إلى التعلم ما دام حيا!
وقديما قيل لبعض العلماء: إلى متى يحسن بالإنسان أن يتعلم؟ فقال: ما حسنت به الحياة!
وكثير من الناس لديه استعداد لقضاء عشر ساعات في أداء عمل ما بطريقة خاطئة، بدلا من قضاء عشر دقائق فقط في تعلم الطريقة الصحيحة لأدائه!
التلميذ بعد انتهاء الدراسة، لماذا لا يحاول أن يتعلم شيئا جديدا؟
الطالب بعد انتهاء الجامعة، لماذا لا يحاول أن يوسع ثقافته بالقراءة؟
الباحث بعد حصوله على الدكتوراه، لماذا لا يريد أن يستزيد من العلم في تخصصه؟
الموظف في عمله، لماذا لا يتعلم المزيد عن وظيفته بحيث يؤديها بطريقة أفضل؟
الطبيب في مستشفاه، لماذا لا يطلع على البحوث الطبية الجديدة حتى يكون أداؤه أحسن؟
ولست أعني أن كل الناس تاركة للتعلم كما لا يخفى، فهناك كثير من الناس تحب التعلم، وتتشوق للمزيد من العلم في تخصصها وفي غير تخصصها، لكن هذا الكثير يظل قليلا جدا إذا قيس إلى بقية الناس.
بعض المهارات من المهم لمعظم الناس أن يتعلموها؛ مثل الكتابة على برنامج الوورد، ومثل البحث في شبكة
الإنترنت، فهذان الأمران يحتاج إليهما عامة الناس في هذا العصر؛ لأنهما يوفران عليهم الكثير من الوقت، لكن مع الأسف لا تكاد تجد أحدا يحاول أن يبذل بعض الجهد في تعلم هذه الأشياء، إلا إن كان لها علاقة وثيقة بعمله.
معظم الدارسين في الماجستير والدكتوراه وغيرهما يبحثون عمن يكتب لهم رسائلهم العلمية وينسقها على الوورد، ويضيع الوقت والجهد في التعديل والمراجعة والتصحيح، مع أن الباحث لو بذل القليل من الجهد في تعلم الكتابة على الوورد؛ لوفر على نفسه كل هذا الجهد، ولاستفاد استفادة عظيمة في هذا البحث وفي غيره.
وكثير منهم أيضا يبحث عمن يصحح له رسالته لغويا ونحويا وإملائيا، فلماذا لا يبذل القليل من الجهد في تعلم مبادئ النحو واللغة والإملاء؟ سوف تكون استفادته أكبر، وسوف تكون ثقته ببحثه أعظم، ولن يضطر إلى الاعتماد على غيره من المصححين الذين لا يعلم مقدار علمهم باللغة والنحو.
أليس من المضحك أن يكتب بعض المديرين رسائله وخطاباته على أوراق بخط اليد، ثم يضيع وقته في البحث عن سكرتير يكتب له هذه الأشياء على الوورد، ثم يضيع وقتا آخر في البحث عن مساعد يرسلها له بالبريد الإلكتروني؟ ثم يضيع وقتا ثالثا فيمن يتابع له الردود، ثم يضيع وقتا رابعا فيمن يطبع له هذه الردود ليقرأها على ورق مطبوع؟!
دع هذا جانبا، وأخبرني: لماذا لا نتعلم لغة أخرى؟
أعرف بعض الناس، يتحسر على أنه لم يتعلم الإنجليزية، ويبحث دائما عن الكتب المترجمة ليكمل بها هذا النقص، وهو على هذه الحالة منذ سنوات!
لماذا لا تبدأ الآن في التعلم؟ هل تظن أن الوقت قد فات ؟ كلا
خذ هذه القاعدة: الوقت لا يفوت أبدا في تعلم الأشياء الجديدة!
والإنسان ما عاش فهو بحاجة إلى مزيد من التعلم؛ لأن العلم كثير والعمر قصير، ولا سيما في عصرنا هذا، الذي صار التطور العلمي فيه من أسرع ما يكون، فالحاجة عظيمة لتعلم استعمال الاختراعات الجديدة، والأجهزة الحديثة التي صار استعمالها ضرورة من ضرورات الحياة.
أنت أيها الرجل، وأنت أيتها المرأة أنت أيها الصغير، وأنت أيها الكبير
أنت أيها العالم، وأنت أيها الجاهل أنت أيها الوزير، وأنت أيها الغفير
جميعكم بحاجة إلى المزيد والمزيد من التعلم؛ من أجل مزيد من الرقي، ومن أجل مزيد من نفع أنفسكم ونفع مجتمعكم.
وإذا كان هذا في عامة الناس، فهو في طلبة العلم الشرعي وعلمائه أوضح وأظهر، فهم أكثر الناس حاجة إلى الاستزادة من العلم؛ لأن الخطر في خطئهم أعظم، والزلل بسبب كلامهم أكثر، وقديما قال سفيان بن عيينة: أعظم الناس حاجة إلى التعلم أكثرهم علما! لأن الخطأ منه أقبح.
دع هذا جانبا، وأخبرني: لماذا لا تتعلم أساسيات الطب؟
ألا تعلم أنك قد تنقذ حياة إنسان بالقليل من العلم في هذا الباب؟
لماذا لا تتعلم مبادئ المحافظة على الصحة؟ من الطعام المناسب وممارسة الرياضة ونحو ذلك؟
هل تعلم أن هذا قد يجنبك الكثير من الأمراض، ويجعلك تمارس حياتك بنشاط حتى في كبر السن؟
لماذا لا تثقف نفسك وتقرأ بعض الكتب الثقافية العامة؟
ألا تشعر بالضيق عندما يسألك ابنك أو أخوك أو صديقك عن معلومة ما، فلا تعرف؟
- يا أبي .. ما عجائب الدنيا السبع؟
- يا أمي .. متى كانت الحرب العالمية الثانية؟
- يا أخي .. من الذي اخترع التليفون؟
هل تعلم أن من يواظب على القراءة والثقافة والتعلم لا يصاب غالبا بأمراض الشيخوخة المتعلقة بالأداء العقلي؟ مثل الخرف وفقدان الذاكرة ونحو ذلك؟
إذا كنت مديرا، فلماذا لا تزيد من ثقافتك في المجال الإداري؟ هل يلزم أن تعطيك الشركة دورة تدريبية تكلفها الكثير، وتصرف لك فيها مكافأة وبدلات لتنوير عقلك؟!
إذا كنت عاطلا عن العمل، فقبل أن تصب نقمتك وغضبك على المجتمع والدولة التي لم تحقق لك طموحك بفرصة العمل المناسبة، اسأل نفسك: لماذا لا أتعلم حتى أكون مثل فلان؟ ولماذا لا أثقف نفسي حتى أكون مثل علان؟! هل فكرت يوما أن الإشكال يمكن أن يكون فيك أنت وليس في المجتمع ولا الدولة؟!
لماذا يجد ألوف الشباب فرص العمل ولا تجد أنت؟ قد يكون هناك إشكال أو خلل في الأنظمة، لكن هذا لا ينفي أن الجزء الأكبر من المشكلة يرجع إليك أنت، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، فلا بد أن تبذل الجهد وتتميز؛ حتى تجد لك مكانا في عالم اليوم فضلا عن عالم الغد.
بعضهم يقول: أنا أبحث عن عمل، فساعدني!
فتقول له: هل تجيد الكمبيوتر؟ يقول: لا
فتقول له: هل تجيد الإنجليزية؟ يقول: لا
فتقول له: هل تجيد الكتابة واستعمال الأوفيس؟ يقول: لا
تقول له: معك شهادة عالية؟ يقول: لا
طيب، قل لي بربك: هل الخلل هنا في المجتمع أو فيك؟!
والأمر ليس متوقفا على التعلم من أجل الحصول على وظيفة جيدة أو راتب عال، بل التعلم والثقافة والقراءة ضرورة من ضرورات الحياة التي لا يكون الإنسان حقيقا بصفة الإنسانية إلا بها.
فالقراءة ليست فقط هواية أو وسيلة لتمضية الوقت، فهي الغذاء لعقلك، والدواء لجهلك، والحياة لفكرك .. بتركها قد تموت وأنت لا تدري!
وإن من شرف العلم أنه قد ينفع صاحبه حتى وإن كان كافرا!
تأمل قصة سحرة فرعون لما ألقوا حبالهم فلقفتها عصا موسى، ماذا حصل؟
لم يؤمن في هذا الموقف إلا هؤلاء السحرة!! لماذا؟
لأنهم كانوا أعلم الناس بالسحر في هذا الوقت، ولذلك فهم يعلمون حق العلم أن ما رأوه أمامهم ليس من السحر، وأنه فوق قدرة البشر، فإذا كان هذا حال أحد العلوم المذمومة كالسحر، فما بالك بالعلوم المحمودة؟!
إن الشغف بالمعرفة، وحب الاطلاع على الجديد، والاستزادة من العلم؛ من صفات الإنسان الجيد، ولا شك أن هذا سينفع صاحبه يوما ما، إن لم يكن في حاضره ففي مستقبله، وإن لم يكن في أخراه ففي دنياه.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وبلغنا من العلم النافع آمالنا.