- اسم الكاتب:أحمد عبد الحفيظ بــــ\\\"تصرف \\\"
- التصنيف:أقليات وقضايا
ننكأ اليوم جرح المسلمين في بلاد القرم المنسية، حيث تنزل القوات الروسية تقرع طبول الحرب، لنتساءل: لماذا القرم ؟ وهل هناك حقا صراع بين القطبين الروسي والأمريكي ؟ أم هي مصالح تتلاقى بينهما في إبادة المسلمين غرب الأرض ومشرقها ؟
شبه جزيرة القرم
تقع شبه جزيرة القرم في جنوب أوكرانيا، يحدها من الجنوب والغرب البحر الأسود، ومن الشرق بحر آزوف، وكان اسمها فيما مضى "آق مسجد" أي "المسجد الأبيض"، قبل أن يستولي عليها الروس الشيوعيون.
تبلغ مساحة شبة جزيرة القرم 150، 26 كيلو مترا، أما المنطقة التي كانت تخضع لنفوذها فتبلغ أضعاف هذه المساحة، وينتشر فيها التتار، ثم انتشر فيها القوازق حتى تخوم أوكرانيا، ثم تقلصت مع الزمن، حتى انحصرت في شبه الجزيرة هذه.
الإسلام في شبه جزيرة القرم:
وصل الإسلام إلى القرم عن طريق التتار، وذلك في عهد القبيلة الذهبية، الذين يرجع نسبهم إلى جوجي الابن الأكبر لجنكيز خان، ولما مات جوجي قبل أبيه أقطع جنكيز خان لولده باتو بلاد روسيا وخوارزم والوقوقاز وبلغاريا، وأطلق عليهم القبيلة الذهبية أو مغول الشمال، وهي أول قبائل المغول في اعتناق الإسلام، ويعتبر بركة خان أول من أسلم من أمراء المغول، وذلك عام 650هـ وهو عائد من قرة قورم عاصمة دولة المغول الكبرى. ثم بايع الخليفة العباسي المستعصم بالله في بغداد وأتم بناء مدينة سراي (مدينة سراتوف في روسيا الآن)، عاصمة مغول الشمال وبنى بها المساجد وجعلها أكبر مدن العالم في ذلك الوقت.
كانت دولة المغول المسلمة في بلاد القرم وما جاورها على علاقة طيبة مع دولة المماليك في مصر والشام، وكانا يقفان معا في حملات الجهاد ضد هجمات البيزنطيين.
بدأ الضعف يدب في دولة التتار المسلمين بعد عصر القوة الذي زاد على 120 عاما، نتيجة الصراع بين أبناء الأسرة الحاكمة وتفشي الظلم، فاستقل الحاج شركس في استراخان، واستقل ماماي ببلاد القرم، وزاد الضعف باجتياح تيمور لنك لمدينة سراي في مطلع القرن التاسع الهجري، مما أدى إلى تفتت الدولة الواحدة إلى خمس دول، هي: القرم، استراخان، خوارزم، قازان، سيبريا الغربية.، وهذا كله شجع الروس للوقوف في وجه التتار، الذين ظهر ضعفهم واضحا للعيان.
الصراع بين تتار القرم والروس:
تحرك الروس ضد التتار، غير أن حاكم التتار توقتاميش (762- 798هـ) تمكن من صد هجماتهم ودخل موسكو عام 783هـ، غير أنه وقع القتال بينه وبين تيمور لنك، الذي تمكن من هزيمته عام 788هـ، واختفى ولم يعلم له مكان. وعين تيمو لنك على سراي أميرا من قبله، وحينها عاود الروس هجماتهم على التتار في القرم وما حولها.
شبه جزيرة القرم .. تاريخ من الجهاد
كانت روسيا عدوا لدودا للخلافة العثمانية، وكانت تمد يد المساعدة لكل من يتوافق معها في حربها ضد دولة الإسلام وخاصة الصفويين في إيران، غير أن الكثير من المسلمين لا يعرفون أن العثمانيين كانوا يؤدبونهم يوم رفعوا راية الجهاد وكانت روسيا تدفع الجزية للمسلمين.
الاحتلال الروسي لبلاد القرم:
لما أصاب الدولة العثمانية الضعف في الجهة الشمالية، تمكن الروس من غزو شبه جزيرة القرم في سنة 1198هـ - 1783م، بعد أن قتلوا 350 ألف من مسلمي القرم. إن حقد الروس على بلاد القرم كبير، سواء كانت روسيا قيصرية أم شيوعية فالأمر واحد، إذ هي حرب على الدين.
تراوحت السيطرة الغربية على بلاد القرم بعد أن ضعفت الخلافة العثمانية بين روسيا الشيوعية وألمانيا النازية، فعندما قامت الحرب العالمية الأولى دمر الروس مدينة سيمفروبول، وقضوا على الحكومة التترية، غير أن الألمان تمكنوا من احتلال القرم من الروس، ثم انسحب الألمان بعد مدة.
سيطر الروس الشيوعيون على بلاد القرم بعد الألمان، وعندها أعلن التتار الجهاد والدفاع عن الدين، ورأى الشيوعيون أن حبل المقاومة طويل، فلجأوا إلى حرب التجويع، فجمعوا الطعام والأقوات من البلاد، ليموت المسلمون جوعا، وكان معدل موت المسلمين 300 نفس يوميا، وعندها فضل المجاهدون لأنفسهم الموت من أن يصيب الناس ما أصابهم من بلاء بسبب اعتصام المجاهدين ومقاومتهم.
في عام 1928م أراد ستالين البلشفي المجرم إنشاء كيان يهودي في القرم، فثار عليه التتار المسلمين بقيادة أئمة المساجد والمثقفين فأعدم 3500 منهم، وجميع أعضاء الحكومة المحلية بمن فيهم رئيس الجمهورية ولي إبراهيم، وقام عام 1929م بنفي أكثر من 40 ألف تتري إلى منطقة سفر دلوفسك في سيبيريا، كما أودت مجاعة أصابت القرم عام 1931م بحوالي 60 ألف شخص.
هبط عدد التتار من تسعة ملايين نسمة تقريبا عام 1883م إلى نحو 850 ألف نسمة عام 1941م وذلك بسبب سياسات التهجير والقتل والطرد التي اتبعتها الحكومات الروسية سواء على عهود القياصرة أو خلفائهم البلاشفة، وتكفل ستالين بتجنيد حوالي 60 ألف تتري في ذلك العام لمحاربة ألمانيا النازية.
في الحرب العالمية الثانية احتدمت المعركة بين الروس والألمان على أبواب القرم، وظن التتار أن الألمان سيكونون أرحم عليهم من الروس المجرمين، فقرروا الاستسلام لهم انتقاما من الروس، ولم يدر في خلدهم أن الكفر ملة واحدة، وأن عداوة النصارى موجهة للإسلام والمسلمين، فما إن علم الألمان أن المستسلمين من التتار المسلمين حتى نزعوا منهم السلاح وساقوهم حفاة 150 كيلو مترا سيرا على الأقدام ودون طعام، وبدأ المسلمون يموتون جوعا، ثم أخرجوهم من السجن وأبادوهم رميا بالرصاص.
وهزمت ألمانيا في الحرب، وعاد المستعمرون الشيوعيون إلى القرم، واتهم الروس التتار أنهم من أعوان الألمان، فدخل الشيوعيون العاصمة (باغجه- سراي)، وطمسوا معالم الإسلام فيها، حتى دكوا المساجد الأثرية، مثل: جامع خان، وجامع بازار، وجمعوا المصاحف وأحرقوها في الميادين العامة، فكان مجموع ما هدمه السوفييت 1558 مسجدا في شبه جزيرة القرم، والعديد من المعاهد والمدارس، وأقاموا مكانها حانات للخمر وحظائر للماشية ودور للهو.
المسلمون في القرم حاليا:
تقول الأرقام: إن تتار القرم كانوا يشكلون عام 1770م نسبة 93% من سكان القرم والبقية أرمن ويونان ولم يكن هنالك روس آنذاك، وسرعان ما تراجعت نسبة التتار إلى 25.9% في عام 1921م، فيما الروس والأوكران معا شكلوا نسبة 51.5%، والبقية يهود وألمان، ومع حلول عام 1959م لم يسجل أي وجود للمسلمين التتار في القرم أبدا، في حين أصبحت نسبة الروس الذين يسكنون القرم 71%، والأوكران 22%، والبقية من اليهود وقوميات أخرى.
لكن الأمر بدأ بالتغير عندما سمح لهم بالعودة إلى أراضيهم تدريجيا، ثم تعقدت الأمور مرة أخرى، وهم اليوم يشكلون 20% فقط من سكان القرم، بينما بقية التتاريين ما يزالون في محاولات مستمرة للعودة من شتى أماكن وجودهم التي أجبروا على العيش فيها، في مناطق مختلفة من روسيا وأوزباكستان وأوكرانيا نفسها وغيرها.
وتم إدراج مسلمي القرم التتار في قائمة الأمم المتحدة للشعوب، باعتبارهم من الأمم المهددة بالانقراض، نتيجة لما يتعرضون له من ضغوط ثقافية وزواج مختلط وفقدان للقيم والتلاعب بمفاهيم الدين والتقاليد والعرف.
أعلنت أوكرانيا استقلالها رسميا عن الاتحاد السوفييتي في ديسمبر من عام 1991م، كما وافقت السلطات الأوكرانية بعد استقلال أوكرانيا رسميا إعطاء شبه جزيرة القرم حكما ذاتيا ضمن أوكرانيا وذلك في يونيو 1992م. وعقد تتار القرم مؤتمرهم الأول في مدينة سيمفروبل عاصمة الإقليم وذلك في يونيو من العام نفسه، وأسسوا المجلس الأعلى للتتار القرم كممثل للشعب التتاري المسلم
حقيقة ما يحدث في القرم بين روسيا وأمريكا
إن هذا التجاذب بين أوباما وبوتين ليس بالتأكيد خوفا على المسلمين في القرم، وإنما على المسيحيين الأوكرانيين ومصالحهم الشخصية طبقا لمراكز القوى بين الدولتين في المنطقة. إذ تشير الأنباء عن حدوث اعتداءات على ممتلكات تعود لمسلمي تتار القرم، إضافة عن قيام الروس بكتابة شعارات تحريضية على تتار القرم، ولم تتحرك أمريكا إزاء عودة الاضطهاد الروس لمسلمين القرم.
كلمة أخيرة:
من هنا وجب النداء إلى كل مسلم: ألم تسأل نفسك يوما: لماذا هذا الاهتمام الكبير من حكومة بوتين بشبه جزيرة القرم؟
أما آن لنا أن نفهم أنها ليست حربا بين روسيا وأمريكا، وإنما ثأر قديم وحقد دفين من الصليبيين تجاه الإسلام والمسلمين .. إنهم لم ينسوا تاريخ أجدادهم ونسينا نحن .. ولكننا حتما سنعود ..
أيها المسلمون!: ذكروا بوتين يوم بكت موسكو، وهرب قيصرها .. يوم دفعت روسيا الجزية للخلافة العثمانية .. يوم كنا أعز أمة