لفظ (صرف) في القرآن

0 1935

الأصل اللغوي في مادة (صرف) يدل على رجع الشيء؛ من ذلك: صرفت القوم صرفا، وانصرفوا: إذا رجعتهم، فرجعوا. والصرف: رد الشيء من حالة إلى حالة، أو إبداله بغيره، يقال: صرفته فانصرف. ويقال: انصرف إلى الشيء، بمعنى: أقبل إليه منصرفا عن غيره. و(التصريف) أكثر ما يقال في صرف الشيء من حالة إلى حالة، ومن أمر إلى أمر. و(الصرف) فضل الدرهم على الدرهم في القيمة. ومعنى (الصرف) أنه شيء صرف إلى شيء، كأن الدينار صرف إلى الدراهم، أي: رجع إليها، إذا أخذت بدله، ومنه اشتق اسم الصيرفي; لتصريفه أحدهما إلى الآخر. وتصريف الدراهم في البياعات كلها: إنفاقها. وصرف الكلام: تزيينه والزيادة فيه، وإنما سمي بذلك؛ لأنه إذا زين صرف الأسماع إلى استماعه. و(الصرف) الليل والنهار، وهما صـرفان. وصرف الدهر: حدثانه ونوائبه، والجمع: صروف، وسمي بذلك؛ لأنه يتصرف بالناس، أي: يقلبهم ويرددهم.

ولفظ (صرف) ورد في القرآن في ثلاثين موضعا، جاء في خمسة وعشرين منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} (الإسراء:89)، وجاء في خمسة مواضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل: {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا} (الفرقان:19). وأول موضع ورد فيه هذا اللفظ في القرآن هو قوله تعالى: {ثم صرفكم عنهم ليبتليكم} (آل عمران:152).

ولفظ (صرف) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، هي:

الأول: صرف بمعنى (بين)، من ذلك قوله سبحانه: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن} (الإسراء:89)، يعني: بينا. قال الطبري: "ولقد بينا للناس في هذا القرآن من كل مثل؛ احتجاجا بذلك كله عليهم، وتذكيرا لهم، وتنبيها على الحق ليتبعوه، ويعملوا به". ونحو هذا قوله عز وجل: {وصرفنا فيه من الوعيد} (طه:113)، أي: بينا. قال القرطبي: "بينا ما فيه من التخويف، والتهديد، والثواب والعقاب". ونظير هذا أيضا قوله سبحانه: {وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون} (الأحقاف:27)، أي: بينا الآيات للناس؛ لعلهم يرجعون إلى طريق الحق والصواب.

الثاني: صرف بمعنى دفع، من ذلك قوله عز وجل: {ربنا اصرف عنا عذاب جهنم} (الفرقان:65)، أي: ادفع عنا العذاب. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا} (الفرقان:19)، أي: لا يقدرون على دفع العذاب عنهم، ولا الانتصار لأنفسهم. ومنه أيضا قوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم} (هود:8)، أي: لا يدفع العذاب عنهم دافع، ولكنه يحل بهم فيهلكهم. ونحو هذا قوله عز وجل: {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه} (الأنعام:16).

الثالث: صرف بمعنى العدول عن الأمر، من ذلك قوله عز وجل: {أنى يصرفون} (غافر:69)، أي: كيف يعدلون عن الرشد إلى الغي، أو كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل. ونظير هذا قوله الباري سبحانه: {فأنى تصرفون} (يونس:32)، أي: فكيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة ما سواه.

الرابع: صرف بمعنى (وجه)، من ذلك قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} (الأحقاف:29)، أي: وجهنا إليك. قال القرطبي: "معنى {صرفنا} وجهنا إليك، وبعثنا؛ وذلك أن الجن صرفوا عن استراق السمع من السماء برجوم الشهب".

الخامس: صرفنا -بتشديد الراء- بمعنى قسمنا، من ذلك قوله تعالى: {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس الا كفورا} (الفرقان:50)، يعني: قسمنا المطر بينهم، قال الطبري: "ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنزلناه من السماء طهورا؛ لنحيي به الميت من الأرض بين عبادي؛ ليتذكروا نعمي عليهم، ويشكروا أيادي عندهم، وإحساني إليهم".

السادس: التصريف بمعنى التسيير والإرسال، من ذلك قوله تعالى: {وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض} (البقرة:164)، أي: إرسال الرياح وتسييرها.

وقوله تعالى: {ثم صرفكم عنهم} (آل عمران:152)، معنى (الصرف) هنا: أن الله تعالى رد المسلمين عن الكفار، وألقى الهزيمة عليهم، وسلط الكفار عليهم، وهذا قول جمهور المفسرين، كما ذكر الرازي.

وقوله عز وجل: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} (الأعراف:47)، أي: كلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النار تضرعوا إلى الله تعالى في أن لا يجعلهم من زمرتهم.

وحاصل الأمر: أن لفظ (الصرف) أكثر ما ورد في القرآن بمعنى (التبيين)، و(الدفع)، و(العدول عن الأمر). وورد بدرجة أقل بمعنى (الإرسال)، و(التوجيه)، و(التقسيم).

مواد ذات صلة

المقالات

المكتبة